لعنة الزمن المشرقي

لعنة الزمن المشرقي

18 سبتمبر 2014
+ الخط -

عندما تتصفح حلقات تاريخ المشرق العربي القديم، تستطيع تفكيك رموز وطلاسم ما تعايشه المنطقة، اليوم، من أحداث تبدو غير مألوفة. وفي هذا الصدد، أقول: إن دمشق وغوطة الشام ربما لا تبعد عن مدينة نابلس الفلسطينية سوى عشرات الكيلومترات، إضافة إلى عناصر الثقافة المجتمعية، المتقاربة حتى في دينامياتها الحياتية البسيطة، تجدها مشتركة بين المدينتين ومختلف مُدن بلاد الشام العتيدة. ولذلك، ما يحدث في أصقاع الشام له انعكاسات وتأثيرات مباشرة على فلسطين وسائر أرجاء الإقليم. وبالمثل، يندرج ذلك على ما يحدث في مصر وسيناء.

والجديد هو ذلك التمدد السريع والقوي لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على أرض الشام والعراق، وما يدفع للتفكير أكثر هو طبيعة محتوى فيديوهات منتشرة على صفحات شبكات التواصل الإجتماعي، وجديدها فيديو مشهد تَمكّن عناصر تنظيم الدولة من اقتحام مطار الطبقة السوري، الحصين بموقعه وإمكاناته، وما تبعهُ من تمكن عناصر التنظيم من بسط سيطرتهم على الموقع، بمنتهى السرعة والدهاء. حيث عرض الفيديو مشاهد لم نتصورها إلا في ملاحم التراث الحربي لدى بلاد الإغريق، اليونان، وصراعاتهم مع الفُرس. وتخللت الفيديو مشاهد غير إنسانية، منها مظاهر القتل الجماعي لمن يقع بين أيدي عناصر تنظيم الدولة من أسرى جنود النظام، بعد استسلامهم. ويبدو أن هذا الأسلوب أسهم في نشر الرعب في كل سورية.

ويبدو أن ممارسات القتل العشوائي والتصفية الميدانية لخصومهم أسهمت في تسريع تمددهم في أرجاء القُطرين السوري والعراقي، وما يحدث على أرض الشام هو بمثابة تحولات تاريخية عنيفة، تؤسس لبناء مشرق عربي مختلف، وربما قد يتم هدم نظم سياسية وحدود وهمية عديدة، في الأشهُر أو السنوات المقبلة. ويبدو أننا قادمون على أحداث جسام، لم يشهدها المشرق العربي، إلا قبيل التوسع اليوناني والفارسي والروماني في المنطقة، وما تبع ذلك من موجات الفتح الإسلامي لتَرِكَة هذه الإمبراطوريات القديمة. فانهيار النُظم القومية والقُطرية "تحالف الأقليات"، اليوم، بمثابة أمر حتمي، يضع نهاية للتقسيمات الاستعمارية. فمنذ قرن، تم تجاهل مطالب الأكثرية السكانية التي تقطن هذه الأقاليم على حساب التَفَرُّد والخضوع لِحُكم الأقليات، المكونة من طوائف وعرقيات وتوجهات فكرية محدودة الانتشار.
 
والحشد الأممي الذي تقوده، اليوم، الولايات المتحدة الأميركية، للحد من توسع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لن يتمكن من تحقيق مبتغاه، لأن التنظيم يشهد حركة تمدد سريعة، وهو يعيش مرحلة يطلق عليها تاريخياً "الفتوة" أو "الشباب"، ولا يمكن أن نتوقع لداعش انتكاسة مرحلية، كما حدث لحركة طالبان التي لم تتمكن الولايات المتحدة ودول الجوار من القضاء عليها. وهنا، الأمر معقد جداً، فإن القوى الإقليمية، شاركت أو لم تشارك في اجتماع جدة، لن تستطيع أن تحسم أمرها بجدية، وهي أنظمة غير مرتاحة لما قد يحدث من صراعات نفوذ إقليمي، بعد استهداف "داعش"، أو تقليم أظافرها. ويصعب على الولايات المتحدة إعادة توزيع المصالح ومناطق النفوذ بين دول الإقليم، كما فعلت في العراق بعد عام 2003. وحتى في العراق، تبين، فيما بعد، حجم فَشل سياسة الولايات المتحدة في توزيع النفوذ والمصالح بين حلفائها، وبمجرد انسحابها من العراق، انفجرت الأزمات السياسية فيه.

avata
avata
ممدوح بري (سورية)
ممدوح بري (سورية)