لعبة السيك... نساء موريتانيا متمسكات بالتقاليد

لعبة السيك... نساء موريتانيا متمسكات بالتقاليد

15 مارس 2019
لعبة تستوعب الجميع (العربي الجديد)
+ الخط -
في إحدى القرى النائية في الريف الموريتاني، تقود عائشة عدداً من رفيقاتها كل مساء تقريباً، ويتوزعن إلى مجموعتين للتنافس في لعبة السيك، وهي لعبة تقليدية خاصة بالنساء.

تجلس النساء في أحد البيوت لبدء اللعب الذي يستمر ساعات عدة ليتمكن فريق واحد من الفوز على الآخر، وقد يستمر اللعب لانتزاع الفوز أو تأكيده من جديد، لتظل المنافسة محتدمة حتى حلول المساء. وفي اليوم التالي، تبدأ جولات جديدة.
تقول عائشة لـ "العربي الجديد"، إنها تجمع نساء قرية الزاريه (شرق موريتانيا) في المساء من أجل ممارسة لعبة السيك. تحمل معها اللعبة وتتوجه إلى أحد المنازل. وما إن تصل حتى تتجمع النساء ويجهزن اللعبة التي لا تتطلب الكثير من العناء. بعدما تجلب عائشة عيدان اللعبة، وبعض المحار، تأتي النساء بكومة من التراب لتكتمل المتطلبات، ويهيئن اللعبة وتبدأ المنافسة الشرسة للفوز بين فريقين يشكلان لذات الهدف من بين النساء الحاضرات.

وتؤكد عائشة أن لعبة السيك تقليدية ومتوارثة عبر القرون، وما زالت تنال إعجاب النساء اللواتي يمارسنها في مختلف المناطق، وما من خلاف على قوانينها أو طريقة اللعب التي يعرفها الجميع. وترى عائشة أنّ السيك من أهم الألعاب التقليدية الخاصة بالنساء، وقد عرفتها من والدتها وجدتها. تقول إن السيك من أكثر الألعاب المحببة إليها، خصوصاً أنها ترتبط بالتاريخ والتقاليد القديمة. كما تتحدث عن الحماس أثناء اللعبة، والتي تتخللها أيضاً مشادات كلامية بين النساء، ويتوعد كل طرف الآخر بالهزيمة أثناء اللعب.
ويمكن سماع الزغاريد أثناء اللعبة في حال استطاعت إحدى المجموعتين سحب عيدان أو محار من المجموعة الأخرى في معركة مستمرة تكون نهايتها فوز إحدى المجموعتين. ولا يحقّ لأي من المتنافسات الامتناع عن اللعب مع الطرف الآخر قبيل غروب الشمس، وهو آخر موعد لمواصلة لعب السيك، لتنطلق النساء إلى منازلهن لمزاولة أعمالهن حتى الصباح.

تشرح فاطمة بنت سيدي أن "السيك" هي إحدى الألعاب التقليدية الخاصة بالنساء، وأن وجود الرجال، إن حصل، يكون سببه الفضول. وتتجمع كافة نساء الحي أو القرية للمشاركة في اللعبة التي يمكن أن تستوعب الجميع من خلال توسيع عدد المشاركات في الفرق المتنافسة، ما من شأنه زيادة توقيت اللعب، ويمكّن النساء من التنافس مرتين فقط قبل حلول الظلام.
تضيف بنت سيدي لـ"العربي الجديد"، أن لعبة السيك تتشكل من عناصر عدة، أهمها "السيكات" المصنوعة من العيدان، وعددها ما بين الثلاثين والأربعين، إضافة إلى عدد مساو من الحجارة أو القصب يتحرك بها كل فريق فوق كومة من الرمال تسمى "لبرا".

وتؤكد بنت سيدي أن الفريقين المتنافسين يسعيان من خلال رمي "السيكات" المصنوعة هي الأخرى من العيدان على شكل عصي، لإخراج عيدان أو محار الخصم الآخر من فوق "لبرا"، وذلك عن طريق عد ألوان "السيكات" وقت رميها، إذ إن ألوان جانبي السيك مختلفة، لتحسب الدرجات ويتحقق الفوز من الخصمين".
وترى السالمة أن النساء المشاركات في لعبة "السيك" يلعبن بذكاء وبروح رياضية. وهذا لا يمنعهن من إطلاق الزغاريد، والأمنيات بالفوز، والتصفيق الحار، إلى أن تتمكن إحدى المجموعتين من الفوز. حينها، يحتفل الطرف الفائز من خلال قرع الطبول والرقص، ويتوعد الفريق الخاسر الخصم بالهزيمة في اليوم التالي، لتظل النساء في تنافس مستمر ينطلق في العادة بعد صلاة العصر، وينتهي بفوز إحدى المجموعتين قبل الغروب.


وتعدّ "السيك" إحدى أشهر الألعاب الشعبية الخاصة بالنساء في المجتمع الموريتاني. كما أنّها من الألعاب الشعبية التقليدية التي ما زالت تقاوم الزمن في البلاد، على الرغم من محاولة البعض تطوير آلياتها. إلا أن القوانين التنظيمية للّعبة عصية على التغيير لما لها من أصالة وعراقة لدى الموريتانيين.
وعلى الرغم من أنّ لعبة "السيك" خاصة بالنساء، ولا يشارك فيها الرجال إلا من باب الفضول، لكن هناك بعض الألعاب التقليدية التي تشترك فيها النساء والرجال معاً، من بينها "أكرور" و"ستيت".




وتعد لعبتا "ظامت" و"خربكه" خاصتَين بالرجال، علماً أن بعض النساء يتحمسن لهاتين اللعبتَين في بعض الأحيان. وتختزل الذاكرة الشعبية لدى الموريتانيين الكثير من الألعاب التقليدية التي تعد إرثاً ثقافياً وتقليداً ما زال الشعب يتمسك به إلى حد كبير، على الرغم من مشاغل الحياة اليومية وضغط حياة المدن، التي تفرض التخلي عن بعض التقاليد، ما يعكس طغيان استعمال الألعاب التقليدية بكثرة في القرى والأرياف والبوادي النائية في موريتانيا.