لجان الحراسة الليلية لمواجهة المستوطنين وعوائق التنسيق الأمني

لجان الحراسة الليلية لمواجهة المستوطنين وعوائق التنسيق الأمني

07 يوليو 2014
الفلسطينيون يدافعون عن أنفسهم بالحجارة والهراوات (إيليا يافيموفيتش/Getty)
+ الخط -

قرع المستوطنون، من خلال حملة "الانتقام بالدم"، التي كان الشهيد محمد حسين أبو خضير، أول ضحاياها، طبول الإرهاب علانية في الضفة الغربية المحتلة. وفي ظل التهديدات، ما كان من الفلسطينيين إلا أن بدأوا بالمطالبة بتشكيل لجان حراسة ليلية للتصدي للمستوطنين، لا سيما في القرى والبلدات التي اغتصبت المستوطنات أراضيها، وباتت على مرمى حجر منها، لكن المطالبات الشعبية، التي أصبحت مثل نداء استغاثة، تواجَه بصمت مطبق من المستوى السياسي الرسمي.

ويشير مطلعون إلى عدم إمكانية تشكيل لجان حراسة ليلية فاعلة على الأرض. ويورد هؤلاء العديد من الأسباب، أولها عدم وجود إرادة سياسية لتشكيل هذه اللجان من المستوى السياسي الرسمي، لأن تشكيلها لم تلحظه اتفاقيات التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، ومن شأنها أن تؤسس لمجموعات مقاومة منظمة ضد المستوطنين، وهو ما يتناقض مع جوهر التنسيق الأمني، بغض النظر عمّا هو مطروح من تسلّح هذه اللجان بالهراوات أو الحجارة. وبالتالي، من شبه المستحيل أن يسمح الرئيس محمود عباس بمثل هذا الأمر، وهو الذي يؤكد مراراً وتكراراً رفضه لـ"العنف"، وانحيازه لـ"المقاومة الشعبية"، التي تفتقد للاستراتيجية الواضحة وللالتفاف الشعبي، حسب القائمين عليها.

ويُعتبر المال سبباً آخر لرفض السلطة تشكيل هذه اللجان، إذ تراقب حكومة الاحتلال كيف تصرف السلطة كل قرش من أموال المانحين، وما الضجة التي تثيرها إسرائيل حول مخصصات الأسرى والمحررين ببعيدة عن هذا السياق، لذلك لن تحدد السلطة أي ميزانيات لدعم مثل هذه اللجان.

ويرى فريق آخر أن تشكيل اللجان الشعبية هو مسؤولية التنظيمات الفلسطينية في المقام الأول، وعلى رأسها الحركة الأم، أو كما يحب أنصار "فتح" أن يطلقوا على حركتهم "أم الجماهير"، لكن الأخيرة تعيش وضعاً تنظيماً متردياً، في ظل تهميش عباس لـ"اللجنة المركزية" و"المجلس الثوري"، فضلاً عن أن الانقسام السياسي بين أكبر حركتين، "فتح" و"حماس"، ما زال ماثلاً على الأرض رغم إعلان إنهاء الانقسام في أبريل/ نيسان الماضي.

ويقول المتحدث باسم "الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان"، صلاح الخواجا، إن "هناك غياباً للإرادة السياسية والتنظيمات الفلسطينية، على صعيد العمل الشعبي، رغم إدعاء الفصائل أنها تتبنى المقاومة الشعبية كاستراتيجية وخيار، حسب ما نصت عليه اتفاقية القاهرة لإنهاء الانقسام".

وتبدو دعوات عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، توفيق الطيراوي، حول ضرورة تشكيل هذه اللجان، كأنها تغريد خارج السرب، وهو دعا لتشكيل هذه اللجان قبل نحو عامين، واليوم يعود لتوجيه الدعوات ذاتها.

ويقول الطيراوي، لـ"العربي الجديد": "أدعو كافة ممثلي التنظيمات السياسية في القرى والمخيمات الواقعة في مناطق (ب و ج) للقيام فوراً بتشكيل لجان حراسة ليلية للحفاظ على أمن المواطنين والبيوت ودور العبادة".

وتابع أنه "يجب على كل فلسطيني أن يتصدى لكل مَن يحاول الاعتداء أو العبث على قرانا ومخيماتنا من المستوطنين".

وعلى الرغم من أن تصريحات الطيراوي تعتبر الوحيدة بين أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح"، إلا أنها تفتقد لأي غطاء تنظيمي من الحركة أيضاً.

وفيما يقول عضو اللجنة المركزية في "فتح"، عباس زكي، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن أن نراقب ذبح المستوطنين لشعبنا وأطفالنا"، إلا أنه لا يطرح خطة لتجنب ذلك.

ويقول الخواجا، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا أحد من التنظيمات والفصائل السياسية ضد تشكيل لجان الحراسة، ولكن لم يبادر أحد لتأسيسها". من جهته، يؤكد النائب في المجلس التشريعي عن "فتح"، جمال الطيراوي، أن "فتح" أطلقت المبادرة أكثر من مرة على لسان أكثر من عضو في اللجنة المركزية، وعلى التنظيمات جمعيها بما فيها "حماس" أن تتخذ مبادرة لتشكيل هذه اللجان لحماية شعبنا.

وحول عدم وجود قرار سياسي بتشكيل هذه اللجان، يقول الطيراوي إن "هذا ليس بحاجة إلى قرار، عندما يريد أن يحمي الفلسطيني نفسه وبيته وأطفاله، لا يحتاج إلى قرار، أو فرمان رسمي".

ويرى الطيراوي أن على التنظيمات والمجالس القروية والبلديات أن تبدأ بالمبادرة وألا تنتظر قرارات من أحد، ويعطي مثالاً على ما سبق في قرية قصرة، جنوبي نابلس، التي هاجم أهلها قطعان المستوطنين وضربوهم، بعد اعتداءاتهم المتكررة على الاهالي وممتلكاتهم.

وضرب أهالي قصرة مثالاً غير مسبوق، حين قاموا، مطلع العام الجاري، بتلقين المستوطنين الإرهابيين درساً، فاحتجزوهم وضربوهم أمام عدسات الكاميرات التي نقلت صورهم وهم يبكون ويتوسلون، قبل أن يخلصهم جيش الاحتلال من قبضة الأهالي.

وقال رئيس المجلس القروي لقصرة، عبد العظيم عودة، لـ"العربي الجديد": "لقد لقّنا المجرمين درساً لن ينسوه، ومنذ بداية العام، لم نشهد سوى اعتداء واحد منهم، في حين كنا نتعرض لاعتداءاتهم بشكل يومي".

وشكلت القرية لجان حراسة ليلية بشكل أولي، فسجل بعض الشبان المتطوعين أسماءهم لحراسة القرية، لكن التجربة، بحسب أكثر من مطلع، ما زالت في بدايتها، ويفتقد هؤلاء الشبان للتنظيم والأدوات التي من شأنها أن تجعل هذه التجربة فاعلة.

لكن تجربة قصرة العفوية خلت من أي دور للتنظيمات السياسية، مثل الكثير من القرى التي تواجه عُتاة المستوطنين بعفوية، في ظل غياب الفصائل والمجتمع المدني المموّل من الأميركيين والأوروبيين. أما القطاع الخاص الفلسطيني، فلن يضحي بمصالحه والتسهيلات التي يمنحها له الاحتلال ليتبنى قضية تشكيل لجان حراسة تحمي المواطنين العُزّل في القرى الفلسطينية.

ويقول حمزة ديرية، من قرية عقربا قرب نابلس، وهي من أكثر القرى استهدافاً من المستوطنين، إن "القرية تخرج كلها على صوت مكبرات الصوت في المساجد عند اقتحام المستوطنين للقرية. لكن قبل يومين، أحرق المستوطنون حظيرة مواشٍ ولم يتنبه لهم أحد". ويؤكد ديرية، لـ"العربي الجديد"، أن "لدينا العشرات من الشبان المتطوعين في القرية، لكننا نريد غطاءً رسمياً من السلطة، ونناقش حالياً مع شباب القرية موضوع تشكيل لجان حراسة ليلية".

لكن أحد شبان القرية قال، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الموضوع شائك، فالأمن الفلسطيني لن يسمح بذلك، لأن هذه اللجان سرعان ما ستكسب مصداقية الأهالي لأنها تحميهم من المستوطنين، الأمر الذي سيحرج الأجهزة الأمنية". وأضاف أن "المستوطنين مسلحون ونحن نقابلهم بالحجارة والعصي، وهذه اللجان، إن تم فعلاً تشكيلها، فستستخدم الوسائل البدائية، وسرعان ما ستنهار".

وأكد أن "المستوطنين تتم رعايتهم من حكومة الاحتلال. يدفعون لهم المال حتى يستولوا على أرضنا ويعيشوا فيها، أما نحن فالسلطة لنا بالمرصاد قبل الاحتلال إن فكرنا بالهجوم عليهم. وأعتقد أن دفاعنا عن أنفسنا سيكلفنا الكثير أيضاً". ويشير الخواجا إلى أن "التنسيق الأمني مع الاحتلال سيكون أحد التحديات الكبيرة أمام تشكيل لجان مقاومة شعبية".

بدوره، يلفت الخبير العسكري، اللواء المتقاعد عبد الإله الأتيري، إلى أن "قرع الجرس لتشكيل لجان الحراسة، هو مسؤولية القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، لكن الاخيرة تملك برنامجاً سياسياً مختلفاً". ويقول، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا توجد تصريحات سياسية حول الموضوع حالياً، لكن إذا كان الشعب يريد أن يحمي نفسه، فلن يهمّه مع مَن سيتناقض".

وأشار إلى أن "هذا الشعب يسبق قيادته في القرارات وقيادته ستلحق به"، واعتقد أن المستوى السياسي في المرحلة المقبلة سيتحدث في الموضوع".

من جهتها، شكلت حركة "فتح ـ إقليم بيت لحم"، لجان حراسة لمواجهة اعتداءات المستوطنين وخصوصاً في مناطق التماس مع الاحتلال.
وقال أمين سر "فتح" في بيت لحم، محمد المصري، لوكالة "معاً الإخبارية"، إن الحركة بدأت بتشكيل لجان حراسة على مدار الساعة لمواجهة هجمات المستوطنين وصد اعتداءاتهم.

وأضاف أن اللجان بدأت في بعض المناطق، منذ يوم الجمعة، العمل على أرض الواقع باتصال مباشر مع إقليم الحركة والأجهزة الامنية.
وكانت حركة "فتح" في بيت لحم، قد توعّدت، في بيان صحافي، "المستوطنين المعتدين على المواطنين بدفع ثمن عدوانهم، إذ عملت الحركة على تشكيل لجان ضاربة لمواجهة اعتداءات المستوطنين".

ويعيش في الضفة الغربية نحو نصف مليون مستوطن، من دون احتساب المستوطنين في القدس الشرقية. وتوجد في الضفة الغربية 250 مستوطنة، حسب إحصائيات "مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة" (بتسيلم).