كأنما قَتَلَ المغاربةَ جميعاً

01 فبراير 2015
+ الخط -

بين "شارلي" الضاحكة المضحكة، حد الموت ضحكاً؛ وفرنسا التي استعْدَتِ العالم إذ أصابها الإرهاب في القلب، على حد تعبير فرانسوا هولاند، والمسلمون الذين غضبوا للرسول صلى الله عليه وسلم، من دون الانتباه إلى أن غضبهم، السابق والحالي، من مجرد صحافيين مستهترين، أصبح رأسمالاً توظفه جهات متعددة، منها حتى الإسلاموية، في مناح شتى، أبعد ما تكون عن اشتغالات بنك التنزيه الإسلامي، الذي يستثمر فيها البسطاء من المؤمنين المعتدلين.
بين هذا وذاك، قضى مغربي في فرنسا، طعنا، ولم يكن القاتل غير جاره الفرنسي الذي حمشته الحرب على الإرهاب، والمسيرة الباريسية العالمية التي تنادت للتنديد بالنتائج، من دون احتساب الأسباب.

بعد أن صد الشهيد محمد المعقولي الغارة الأولى، وانتزع السكين من الإرهابي الأشقر، لم يجد دماً يصمد به في وجه الغارة الثانية التي أصرت على قتل المغاربة جميعاً، وقد فعلت.

أذكر أن حديثاً جمعني مع بعض الزملاء، غداة النازلة الكاريكاتيرية، حقيقة ومجازاً، بدا فيه بعضهم منتشيّاً بغيرة شباب الإسلام، حد الفناء في حب المصطفى، ودفع الصائل الكافر الذي لم يرع حُرمة ولا حمى. طبعاً لم تستهوني مثل هذه النخوة التي تقيم علينا الحجة، منذ أمد، من دون أن تقيم لنا صولةً مُؤسسةً، كبقية الشعوب المتحضرة.

انصرف ردي، المتوجس خيفة، إلى افتراض وُجودٍ لضحيةٍ مُسلمةٍ مقبلة، ستكون هناك في المكان غير المناسب، وفي الزمن المحرض على الجريمة. سيكون عليها، امرأة أو رجلاً، أن تدفع ثمن صحون مكسرة، لا تعرف متى وكيف كُسرت؟

مات "الشارليون" وهم يعرفون لماذا قُتلوا، وقَتل الأخوان كواشي وقُتلوا، وهم يعرفون لماذا؟ وكيف؟ أما الضحية التي خمنت مصرعها، فلن يكون لها متسع من الوقت لتفهم. استنفد محمد المعقولي دقائق آخر العمر، في حث الزوجة على الفرار بصغيرها، طلباً للنجاة. بعد أن يئس من حياته "تفرغ" لحياة الأسرة.

حتى الاصبع الذي رفعه للشهادة، انقضت عليه أسنان الكراهية فقضمته. كأن كل هذا حدث في غابة، وليس في عمارة آهلة بالسكان. ياله من زمن متوحش ورديء، قُدر لنا أن نعيشه، ونحن نتوهم الحضارة والحداثة والرقي.

فجأة، يجد أب مغربي شاب نفسه في مواجهة مقصلة الجمهورية الفرنسية، وكأنه من سلالة لويس السادس عشر، وماري أنطوانيت. وما محمد المعقولي غير رجل من "سبع عيون"، كان هناك في حضن قانون فرنسي قوي، لكن، بجوار عنصري مجرم.

حدث هذا هكذا لتجد الأسرة الصغيرة نفسها ضحية بدون مجد. ضحية لم تجد فرنسا غير البذلة المعتادة لسترها: القاتل مختل عقليّاً. حتى المختلون في فرنسا يخوضون حروب الأديان، ويقتلون، وليس الأخوان كواشي فقط.

لم تتحرك مسيرة علمانية لتقول للفرنسيين لا تجعلوا من الإرهابيين أساتذة لكم، ولا تتنازلوا عن متعة الحرية، لكن للجميع. لم تتحرك كنيسة لتقول للمسيحيين، على غرار نبي الله عيسى عليه السلام: عليكم أن تحبوا حتى من يكرهكم، وماذا ستكسبون إن أنتم أحببتم، فقط، من يحبكم؟

رحم الله الشهيد محمد المعقولي، قتيل "شارلي إيبدو" الذي لم يذكر، ككل المغاربة، نبيّاً إلا مخلصاً له الإيمان والحب. وما كان له أن يرسم غير خبز يومه، بعرق جبينه، في بلد الحرية والأنوار. احترق بنيران العنصرية، من دون أن تُشعل له الجمهورية، ولو شمعة تقدير.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة:

قالها طرفة بن العبد، وهو لا يستسيغ ظلماً ماليّاً، فقط، من عمه، فكيف يقول محمد المعقولي، ابن "سبع عيون" الذي أغمض الوطن كل عيونه، حتى لا يرى جثمانه يوارى الثرى؟

قتلته العنصرية، من دون أن يكلف الوطن نفسه عناء تكفينه، ولو بكلمة رسمية طيبة، يكلف بها حتى "شيخ الحومة".

لا كانت هذه الجنائز المغربية المليونية التي يُمسك بعضها بتلابيب بعضهم، إن لم تعتبر أن قاتل المعقولي كأنما قتل المغاربة جميعاً. كيف نفهم هذا الصمت، وكل هذا التجاهل، خارج الحسابات السياسية الضيقة التي تدوس على الحقوق المعنوية، لأسرة مغربية، حُمِّلت أوزارَ شارلي وقتلتها؟ هل علينا أن نجلد ذواتنا لنصنع تعاطفاً مع فرنسا ضد فرنسيين سيئي التربية والدين؟

كلنا كنا مع شارلي، وضدها، وبين بين. قدمنا فروض العزاء، وساءنا الإصرار على نهج شارلي، وانسحبنا، لكننا تجاهلنا كلية رزأنا في شاب مغربي لم تقتله غير عبارة:"أنا شارلي". هل يعود هذا إلى كونه من سبع عيون فقط، التي لا عين لها في حزب ولا وزارة؟

6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)