قذائف من عيار جينيفر لوبيز

قذائف من عيار جينيفر لوبيز

06 يونيو 2015
+ الخط -
في البدء كان الريع الديني: 
ظرف سياسي عابر جعل من حزب مغربي، بريع ديني مُتِّع به، ذو صولات لليسار، ليكون ذُخرا للدولة زمن الحاجة؛ الحزب الأقرب إلى القاعدة العريضة من الهيئة المغربية الناخبة؛ وهي هيئة مسلمة عقيدة ودستورا؛ كما أنها الهيئة التي كانت، ولا تزال، حاملة لكل طموح حركة 20 فبراير؛ كما تماهت مع ربيع عربي متوثب، لم يكن يشي بمآلاته المأساوية الحالية. أقول الأقرب، لأوحي بالأبعد الذي ضم وقتها الأحزاب الوطنية التي أنهكها الحكم، في ظل مؤسسة ملكية قوية، وحرمها من أغلب قاعدتها الناخبة؛ من دون أن يكون تدينها موضع شك أو سؤال من أحد. البارحة كما اليوم.
تضافرت كل الشروط ليحسم حزب العدالة والتنمية الانتخابات لصالحه؛ وهو الحزب الذي كان مهددا بالحل، عقب تفجيرات الدار البيضاء؛ لو انساقت المؤسسة الملكية لزلل المطلب اليساري:
- أحزاب تقليدية منهكة.
- حزب الأصالة والمعاصرة الذي ولد واقفا فوق منصة السياسة المغربية؛ ما عرّضه لعواصف النسخة المغربية من الربيع العربي.
- تحرك شارع ألجأه الخطاب الحزبي، المنكفئ والممل، إلى الارتماء في أحضان تجربة دينية سياسية جديدة.
- لغة استقطاب شعبوية وتحشيدية، أنزلت السياسة المغربية من برجها البارد إلى سخونة شارع منتصب للإسقاط؛ بما في ذلك إسقاط ضوابط الكلام. لغة لا أحد أفصح فيها وبها، إلى الآن، من الأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران.
- تدين شعبي فطري، إن لم يكن غُفلا؛ لم يجرب بعد أن يكون مستغلا سياسيا.
- نظام لم يجد بين يديه اختيارات كثيرة، والرجال، ليحتوي حركة الشارع.
- مقاطعة انتخابية اشتغلت لصالح العرض الديني السياسي الأوفر حيوية وحظا.
تكليف بنكيران بتشكيل الحكومة، وقد تم في ميدلت وليس في العاصمة، ما له دلالات قُربية أيضا، وليس تحجيمية فقط؛ كان بمثابة تصويت ملكي ديمقراطي، على التصويت الديني، ولو المحدود، الذي مُتع به حزب، أغلب برنامجه وعود غير مؤسسة اقتصاديا، وثقت فيها الطبقة الشعبية، حد التنزيه غير المؤسس بدوره سوى على حمولة دينية لم يجربها المغرب؛ ممارِسة للشأن العام.
لم يمض وقت كثير على الحزب، شبه الحاكم، حتى أدرك أن الريع الذي مُتع به، لاعتبارات فرضها المحيط الإقليمي والدولي، أصبح تهمة تلاحقه في الداخل، كما في الخارج؛ وقد بذل بنكيران، ولا يزال، كل جهوده، ليثبت للمؤسسة الملكية أنه أهل للثقة التي وُضعت فيه، على الرغم من أنه غير متميز سياسيا؛ وقد بدا له أن التنازل عن كثير من اختصاصاته، بما فيها تنزيل الدستور الجديد، والوقوف في وجه انفلاتات الخطاب الديني لصقور حزبه، سيحقق مبتغاه هذا؛ حتى يفوت على خصومه السياسيين الأقوياء، والذين انتَزَع منهم نصرا محققا؛ إن لم يكن حكومة كانت قاب قوسين من التشكل، فرصة إسقاط حكومته، وقتل تجربة الإسلام السياسي المغربي في المهد.
ومن هنا، أغلب أداء بنكيران، المفترض أن يكون حكومياً، مرافعات حزبية متواصلة، قتلت فيه رئيس الحكومة الذي ينتظر منه جميع المواطنين أداء تدبيريا ميدانيا ملموسا، وليس موصوفا فقط.
ومن هنا، ضجر المعارضة لأنها لا تجد أمامها رئيسا تعارضه، وفق الأصول المرعية مغربيا، في إدارة الشأن العام، تشريعيا وتنفيذيا؛ وإنما تجد أمينا عاما لحزب، يستعمل جميع أسلحة التدافع السياسي الحزبي.
وعليه، فمدار الحياة السياسية المغربية اليوم، على مستوى الحكومة والبرلمان، هو هذا الريع الديني الذي يظهر مثل حمل العذراء؛ يزداد ظهورا، مع توالي الأسابيع، على الرغم من كل أساليب الإخفاء.
تصر المعارضة على سحب كل السجاجيد الحمراء التي دعت الضرورة الظرفية إلى بسطها للحزب الأغلبي، ليصل إلى الحكم، حتى لا تبقى تحت أقدامه غير حصر السياسة، بكل نتوءاتها ووخزها.
كل الأحزاب المغربية مسلمة، ولا ترى داعيا لإشهار إسلامها سياسيا في بلد يؤذن فيه الجميع؛ فلماذا عليها أن تعترف بنصر انتخابي، لا يرتدي سوى عباءة الدين إياه؟
6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)