قلق إسرائيلي من تمدد الصين أمنياً عند شواطئ الاحتلال

قلق إسرائيلي من تمدد الصين أمنياً عند شواطئ الاحتلال

15 سبتمبر 2018
الاحتلال لا يرغب بإغضاب واشنطن (Getty)
+ الخط -
بعد سنوات من التهليل لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والصين، ورغم تحذيرات سابقة من مخاطر النفوذ الصيني، كشفت صحيفة "هآرتس" أن الأوساط الأمنية والاستراتيجية زادت من تحذيراتها من تبعات تمدد النفوذ الصيني.

واعتبرت أن التهديد قد لا يقف بفعل شراء الصين لشركات ألبان ومنتوجات غذائية أخرى، على الأمن الغذائي الإسرائيلي، وإنما تطاول أيضا التهديد العسكري المجرد عند شواطئ دولة الاحتلال على البحر المتوسط ومنافذها على البحر الأحمر.

وفي هذا السياق، كشفت الصحيفة أمس الجمعة أن الكولونيل احتياط، شاؤول حوريف الذي عمل في السابق رئيس قيادة أركان سلاح البحرية، ورئيسا للجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، ويعمل اليوم رئيسا لمعهد أبحاث السياسات البحرية والاستراتيجية في جامعة حيفا، حذر من خطر التمدد الصيني عسكريا وأمنيا وليس فقط اقتصاديا. وجاءت هذه التحذيرات في ختام مؤتمر خاص عقد الشهر الماضي بمشاركة مسؤولين أميركيين، تناول قضايا أمنية تختص بواقع التحديات العسكرية والأمنية لدولة الاحتلال في البحر المتوسط.

وبحسب الصحيفة، فقد كشف حوريف مؤخرا، بما في ذلك في مقابلات مع القناة الإسرائيلية السابعة، مخاطر الاستثمار الصيني في الموانئ الإسرائيلية، (بعد أن كانت الصين استثمرت في الأعوام الأخيرة في قطاع الأغذية، وقطاع القطارات والسكك الحديدية وقطاع شركات التأمين)، مشيرا إلى أنه من المفروض أن تبدأ شركة صينية قريبا، بتشغيل ميناء حيفا، وهو ما يلزم دولة الاحتلال ببناء آلية وجهاز مراقبة وضبط يفحص الاستثمارات الصينية لضمان عدم تشكيلها خطرا يهدد المصالح الأمنية الإسرائيلية.

وبحسب حوريف، فإنه "عندما تشتري الصين موانئ بحرية، فهي تقوم بذلك تحت ستار المحافظة على طرق الملاحة البحرية والتجارة البحرية من المحيط الهندي مرورا بالبحر الأحمر وقناة السويس وصولا إل شواطئ المتوسط في طريقها لأوروبا. ويضرب حوريف مثالا على ذلك شراء الصين لميناء بيراوس اليوناني.

وأوضح أن إسرائيل لا تفحص الاعتبارات والجوانب الأمنية لهذه الصفقات والنشاطات، مشيرا إلى أن النشاط الصيني، لاحقا وتشغيل شركة صينية لميناء حيفا قريبا، جعل مسؤولا أميركا يتساءل في المؤتمر المشار إليه: هل سيكون بمقدور الولايات المتحدة اعتبار ميناء حيفا، ميناء صديقا آمنا وهل ستؤدي السيطرة الصينية إلى شطب الميناء من القائمة الأميركية؟



ولفت حوريف إلى أن الأميركيين يوجهون مؤخرا عنايتهم الشديدة لما يحدث في بحر الصين الجنوبي وما يحدث في الخليج العربي، على حساب شرق المتوسط، وهذا يلزم إسرائيل بتعزيز مكانتها كمورد استراتيجي، أو ذخر استراتيجي للولايات المتحدة.

وأضافت الصحيفة إلى أنه خلافا للهجة الدبلوماسية التي يتبعها حوريف فإن عددا من المسؤولين الأميركيين السابقين الذين شاركوا في المؤتمر المذكور والقادمين من معهد "هادسون" الأميركي المحافظ في سياساته الخارجية، كانوا أشد فظاظة في كلماتهم واعتبروا أن إسرائيل "فقدت صوابها عندما سلمت الشركة الصينية SIPG مفاتيح ميناء حيفا. وأوضح هؤلاء أن سلاح البحرية الإسرائيلي لن يكون قادرا على أن يعول مستقبلا على استمرار العلاقات الوثيقة مع الأسطول الأميركي السادس الذي يتخذ من موانئ حيفا مركزا لصيانة قطعه، ومحطة إقليمية مهمة في انتشاره، عندما يتولى الصينيون مسؤولية إدارة وتفعيل ميناء حيفا.

وكانت الشركة الصينية المذكورة، فازت قبل ثلاث سنوات ونصف بعطاء توسيع ميناء حيفا، ويفترض أن يتم تدشين الميناء بعد التحسينات والتطوير في عام 2021 ومن ثم تشغيله من قبل نفس الشركة التي تشغل أيضا ميناء شنغهاي، فيما فازت شركة صينية أخرى بمناقصة لإقامة ميناء جديد.

ومع أن الصحيفة أشارت إلى أن من اتخذ القرارات هي وزارة المواصلات وسلطة الموانئ وسط إقصاء تام لمجلس الأمن القومي ولسلاح البحرية، إلا أنها أضافت أن المشكلة لا تكمن فقط في كيفية انعكاس العلاقات مع الصين على علاقات الأخيرة مع الولايات المتحدة، التي تزيد تحت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من حدة لهجتها ضد الصين، بفعل الحرب التجارية بين البلدين والتوتر الأميركي الصيني في بحر الصين.



كما لفتت الصحيفة أيضا إلى أن منفذ الميناء المدني في حيفا محاذ لموقع رسو قطع الأسطول الأميركي السادس وغواصاته بما فيها تلك الغواصات التي تملك قدرات توجيه "الضربة الثانية" في حال اندلاع مواجهة نووية.

وترتبط هذه التطورات في تمكين الصين من استثمارات هائلة في العمق الإسرائيلي في واقع الحال بالسياسة الخارجية التي سنها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في العقد الأخير، منذ عودته للحكم عام 2009، في بناء بدائل تجارية واقتصادية يمكن لدولة الاحتلال الاعتماد عليها وعلى عوائدها في حال تفاقمت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي إلى حد لجوء الاتحاد إلى فرض مقاطعة شاملة على دولة الاحتلال. كما تتوافق سياسة الانفتاح على الصين مع نفس سياسة الانفتاح الإسرائيلية على الهند، وعلى دول أخرى في القارة الأفريقية.

من جهتها، تتجاوب حكومة الاحتلال، بشكل إيجابي للغاية بل وبحماسة مع سياسات الصين الاستثمارية، إذ يُكثر نتنياهو من الحديث عن المخزون الاقتصادي الهائل للصين والفائدة المرجوة من السوق الصيني. وسبق لحكومة الاحتلال أن أقرت في عام 2013 قراراً بتشجيع العلاقات الاقتصادية مع الصين وفوّضت المجلس القومي لشؤون الاقتصاد بتركيز النشاطات والخطوات اللازمة لذلك، والتي بدأت ثمارها تظهر جلياً على الأرض.

ورأى تقرير "هآرتس" أن هذا الاندفاع في هذه السياسة يؤشر إلى ما "يبدو أن أحدا في المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي، لم يفكر بصورة جادة بالدلالات والتداعيات الاستراتيجية لهذه التحركات "في سياق الصين".

وتقول الصحيفة إن "الصين تحصل عبر هذه الاستثمارات على تأثير هائل على البنى لتحية الحيوية في إسرائيل، وبشكل غير مباشر أيضا على نقطة تمكنها من الاطلاع على جزء من القدرات العسكرية الإسرائيلية". وهذا أمر من شأنه بمرور السنين أن يمنحها وسائل محتملة لممارسة ضغوط على إسرائيل في حال شكلت الأخيرة خطرا على مصالح بكين في المنطقة.



ورأت الصحيفة أنه من وجهة نظر الصين، فإن إسرائيل لا تتعدى كونها "دبوسا" على رقعة واسعة للخريطة العالمية للصين التي ترمي في خططها لفوائد على المدى البعيد وتبني مشاريع وتوسع علاقاتها كجزء من مشاريع التنمية والتطوير التي تقوم بها في مختلف أنحاء المعمورة تحت مسمى حزام طريق الحرير العالمية. وإذ تقر الصحيفة بأن الصين ليست معادية لإسرائيل بالضرورة إلا أنها تستدرك قائلة بأن مصالح الصين شائكة ومعقدة وهي لا تذكر بوجود التحالف القوي بين واشنطن وتل أبيب. في المقابل فإن العلاقات بين الصين وإيران متينة، بفعل حاجة الصين للنفط الإيراني.

وتنضم التحذيرات الجديدة التي يطلقها حوريف إلى جلسات أخرى مغلقة عقدتها لجان فرعية منبثقة من لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست ناقشت مخاطر الحماس الصيني للاستثمار في إسرائيل. وسبق أن حذر الجنرال احتياط أساف أوريون، رئيس برنامج دراسات إسرائيل - الصين في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في مايو/ أيار الماضي، من هذا النشاط، قائلاً إن الصين وروسيا تفرضان على الأمن القومي الإسرائيلي تحديات من نوع جديد، فالحديث هو عن دولتين لهما نَفَس طويل وقدرات للتخطيط والدراسة المعمّقة وللمدى البعيد.



ويضيف أن "العلاقة مع هاتين الدولتين تحمل في طياتها فرصة اقتصادية على إسرائيل أن تعرف كيفية استغلالها، وسط إدراك للتباين في المصالح والمخاطر. هذا الأمر يلزم استعداداً مغايراً للدولة، لأن موازين القوى في هذه الحالة ليست في صالحها، بل هي ضدنا، ولأننا لا نملك تجربة في مواجهة تحديات كهذه".

المساهمون