قراءة مغربية في استقالة كريستوفر روس

قراءة مغربية في استقالة كريستوفر روس

14 مارس 2017

كريستوفر روس في مجلس النواب المغربي بالرباط (20/3/2013/فرانس برس)

+ الخط -
استبق المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، الأميركي كريستوفر روس، تاريخ نهاية ولايته في إبريل/ نيسان المقبل، ورمى بخبر استقالته إلى الصحافة الدولية. ويعتبر رحيله، بحد ذاته خبراً يعيد إلى الواجهة قضية النزاع حول الصحراء، والذي يضع جبهة الانفصال (بوليساريو) مدعومة بالجزائر، حاضنة سياسية وديبلوماسية، مع المغرب في هذا الملف الذي طال منذ أزيد من أربعة عقود. ويطرح التوقيت والمعنى والمبنى، كما تطرح حيثيات الوضع ما بعدها:
الاستقالة هي في طور "العرض" أو المقترح، أي مطروحة على الأمين العام، أنطونيو غوتيريس، ولن تكون كذلك، حتى يُوافق عليها، وتصبح سارية المفعول نهائياً. وفي هذا السياق، لم يصدر ما يفيد التوجه الذي سيختاره غوتيريس، غير أنه يستفاد من مصادر الناطق الرسمي باسمه، أنه سيتم تعيين خليفة المبعوث الأممي "بعد إجراء مشاورات مع مختلف الأطراف المعنية"، حسب ما أفادت به منظمة الأمم المتحدة. وصرح الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن "المبعوثين الخاصين للأمين العام هم تحت تصرفه، ويمكن بالتالي استخلافهم في أي وقت". وأوضح أن "روس قدم استقالته، وسيتم تعيين خليفته بعد مشاوراتٍ مع مختلف الأطراف، وسنعلنه في الوقت المناسب".
يشكل هذا الوقت المناسب مادة للتحليل السياسي والمؤسساتي في الرباط، وفي كل مراكز القرار وفضاءات التتبع، باعتبار الصحراء قضية وطنية أولى في المغرب. لهذا نقرأ التساؤلات التالية: كيف سيتعامل غوتيريس مع الاستقالة، وهل سيقبل بها الآن، وبالتالي يتحمل هو المسؤولية كلها في التقرير الذي سيرفعه إلى مجلس الأمن في 30 إبريل/ نيسان، حول مهام الأمم المتحدة في المنطقة، وهو تمرينٌ يصعب المغامرة فيه، بالنسبة لمن تولى القيادة حديثاً، نظراً لأن التقرير المشار إليه يكون دوماً مصدر متابعة ونقاش وتجاذب دولي بين الأطراف المتموقعة حسب مصالحها. أم أن الأمين العام الجديد سيقسم تقريره على فترتين، الفترة التي يتحمل مسؤوليتها بان كي مون وكريستوفر روس إلى حدود مغادرة الأول، ثم الفترة التي تولى فيها هو، غوتيريس، المسؤولية، إلى حدود التاريخ المقرّر لاجتماع مجلس الأمن، ويتفرع عن ذلك سؤال أكثر دقة: هل سيواصل المنطق نفسه أم يغير من سياسته؟

المعطى الثاني أن ولاية كريستوفر روس كانت ستنتهي في إبريل/ نيسان، وأراد أن يستبق نهايتها بإيجاد الحدث، وكان من المتوقع أن يسارع المغرب إلى الاعتراض على تجديد ولايته لو تمت، لأنه سبق أن اعترض على ذلك في العام 2012، ثم رفض وصوله إلى العيون في الصحراء في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، عندما أرادها كريستوفر روس محطة لإيجاد الحدث، الأمر الذي اعتبره المغرب رداً على زيارة الملك محمد السادس المنطقة وقتها.
المعطى الثالث أن روس جزء من مرحلة توشك على الانتهاء، هو جزء من امتدادات إدارة باراك أوباما في الولايات المتحدة، وهو، في نظر المغاربة، ساعد دوماً المناهضين لحقوق بلادهم، لا سيما كوندوليزا رايس وسامانتا براون، وكان ضمن الكوكبة ذات الارتباطات بالمحور المناهض للمغرب. ولطالما لعب دور القضاء الواقف، محامياً عن الأطروحة الانفصالية، في نظر الرباط، بعد أن كان ضمن القضاء الجالس سفيراً لبلاده في الجارة الجزائر، في وقت سابق عن المهمة الأممية. وهو جزء من الأمانة العامة للأمم المتحدة أيام بان كي مون، والذي وصلت العلاقة معه إلى درجة التوتر، ونحن نذكر كل الفترات التي عصفت فيها مواقفه بالموقع الحيادي المفترض فيه، وكان هناك تبادل ملحوظ للأدوار بين الأمين العام وممثله الشخصي. وهو جزء من المعادلة الإفريقية، والتي كانت تتحرك تحت غطاء الاتحاد الإفريقي والمغرب بعيد وخارج عنه، وهو سياق سيتغير جدرياً بالنسبة للمغرب، لأنه عاد إلى ما يسميها "العائلة المؤسساتية الإفريقية"، والتي ظلت منبراً حصرياً لدعاة الانفصال. بالتالي، لم يغفل المتتبعون أن الأمين العام الجديد لم يذكره منذ وصوله إلى سدة القيادة الأممية.
رابعاً، هل سيُبقى الأمين العام على مبعوث خاص من بين مواطني مجموعة دول أصدقاء الصحراء، والتي تضم كلاً من أميركا، فرنسا، إسبانيا، روسيا، انكلترا والصين، وهو أمر ينشر الخلط وسط المتتبعين، ما يفرض أن يسارع المغرب إلى مواجهة هذه المفارقة، بما يضمن وضوح المتابعة والرؤية؟
خامساً، لا يمكن إسقاط السؤال المتعلق بسياسة الإدارة الأميركية الجديدة في الملف، وهو سؤال يحب المغرب أن يركز فيه على توجهات إدارة ترامب، ثم بقايا إدارة أوباما التي كانت قد عاكست المغرب، ما كان قد دفع العاهل المغربي إلى خطاب ناري ضد الإدارة إياها في أبريل/ نيسان 2014، ثم في خطاب قمة الرياض في مارس/ آذار منذ عام.

سادساً، تأتي الزيارة بعد فصل التوتر في منطقة الكركرات، في أقصى نقطة الجنوب على الحدود الموريتانية، وقد فضل المغرب أن ينسحب منها، بعد أن وصلت الأمور إلى نقطة التماس الحرج. وبالنسبة للقراءة المغربية، يقع الانسحاب من الكركرات بين المعركة والسلام المسلح. قبل الانسحاب، كان المغرب قد توجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لوضعه في صورة الوضع المقلق الذي أحدثته جبهة البوليساريو، وعمدت إلى جعله واقعاً قائماً، وطلب من الأمين العام أن تعمل قوات الأمم المتحدة على إعادة الأمور إلى سابق عهدها. ويبدو طبيعياً أن يتجاوب المغرب مع طلب الأمين العام الذي جاء طلبه متجاوباً مع المبادرة التي كانت الرباط أصلاً طرحتها على الهيئة الأممية. ولا يمكن أن ينسى المغرب مروره بتجربةٍ مرّة مع الأمين العام السابق، وتفاصيل ما حدث مازالت حية في الأذهان، وكان بان كي مون غفر الله له، يريد أن يكرّس صورة مغربٍ لا يتعاون مع الأمم المتحدة، وبالتالي، فهو في وضع منازعة مع مؤسسة الأمين العام، سواء السابق أو اللاحق. ولا يمكن للمغرب أن يسارع إلى طي صفحة كي مون، من دون أن يفتح صفحة جديدة، بل جيدة مع الأمين العام الجديد الذي يعرف تفاصيل وخبايا كثيرة في ملف الصحراء العتيق، ويفتح هذه الصفحة مع الأمين العام بالذات، من أجل القطع مع تأبيد النزاع بين المغرب ومؤسسة الأمانة العامة، ويعتبر روس جزءاً من المشكلة أكثر منه جزءاً من الحل، وبالتالي، تندرج استقالته في أفق التهدئة، وعودة السياق العادي في المنطقة، وتسوية العلاقة مع الأمين العام الجديد.
768EA96E-E08E-4A79-B950-D8980EE5911C
عبد الحميد اجماهيري

كاتب وشاعر وصحفي مغربي، مدير تحرير صحيفة الاتحاد المغربية، مواليد 1963، عمل في صحيفتين بالفرنسية، من كتبه "أوفقير .. العائلة والدم.. عن انقلاب 1972"، ترجم كتابا عن معتقل تازمامارت. مسوول في فدرالية الناشرين المغاربة.