في كردستان العراق

في كردستان العراق

28 اغسطس 2016

جانب من مدينة إربيل (دان كيتود/Getty)

+ الخط -
حديث الحرب هو الغالب على كردستان العراق، على الرغم من أنها منطقة آمنة، لا تعرف النزاعات العسكرية إلا على حدودها البعيدة عن مدنها الرئيسية وغير الرئيسية. هذا ما يمكن أن يلمسه زائر أربيل والسليمانية هذه الأيام، وهي منشغلةٌ باشتباكات قوات البشمركة مع "داعش" على حدود كردستان، وما لمسته، في أثناء وجودي هناك الأسبوع الفائت، رفقة عدد من المشتغلين في الصحافة والثقافة، تجولوا في المرافق السياحية المفترضة للإقليم.
لكن المهم ليس أخبار الحرب، أو الانشغال بها، فذاك متوفر لدى وكالات الأنباء ووسائل الإعلام. المهم كيف ينعكس ذلك كله على الحياة اليومية لدى الأكراد الطامحين بمغادرة صفحات الماضي نحو مستقبلٍ مختلف. الحقيقة أن ملامح سنوات الحرب العجاف التي خاضها العراق، منذ اعتلى صدام حسين هرم الدولة، وظلت مستمرة، وما تزال تسيطر على مشاهد المدن والقرى في كردستان العراق، على الرغم من وضعية "الحكم الذاتي" التي توفر عليها الإقليم. يبدو أن "التنمية" تحث خطاها ببطء، حتى لتبدو المشاريع التنموية فيها، مثل مدن الترفيه السياحية، وفنادق النجوم الخمسة، بمثابة طفراتٍ في مشهد عام غاية في البساطة.
لكن نظرة موضوعية بعيدة المدى قد تكشف أن الإقليم سيكون مقدّماً على قفزاتٍ كبرى في التطور خلال العقود المقبلة، سواء بقي إقليماً، أو أعلن دولةً مستقلةً تمثل القومية الكردية، كما يطمح إلى ذلك الأكراد، وبرضىَ أميركي بيّن، خصوصاً أن الدافع القومي المسيطر على ثقافة الكرد حالياً لا بد أن يوفر طاقةً إيجابيةً كبرى للعمل والإنجاز، بالشراكة مع دول في العالم ذات صناعاتٍ مميزة، تقيم مع كردستان علاقات وثيقة.
يجمع الأكراد في موضوعاتهم حديث الحرب وحديث السلام. ثمّة انتباه للصراع العسكري مع داعش، والصراع القومي والطائفي مع المكونات العراقية الأخرى. لكن، ثمة أيضاً طموح بتطوير الإقليم إلى منطقة مزدهرة، تجذب الحركة السياحية العربية والإقليمية، وإن كان مثل هذا الطموح ما يزال بعيداً عن الواقع، لندرة المرافق السياحية، وضعف الخدمة في ما يتوفر منها، فضلاً عن قصر عمر الموسم السياحي الذي لا يتجاوز شهور الربيع، وخلالها فقط تتوفر درجة حرارة معتدلة وطبيعة خضراء.
في السليمانية، حوّل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مبنى مديرية الأمن في عهد صدام التي تضم معتقلاً سابقاً إلى متحفٍ يروي قصة صراع الكرد مع ذلك النظام، وسيطرتهم على المبنى إبّان انتفاضة آذار/ مارس 1991 التي أعقبت هزيمة جيش صدام في حرب الخليج. ذاك إذن مؤشرٌ على حالة الحرب والنضال التي ما تزال تسيطر على تفكير الكرد، وهذا طبيعي لشعب ما عرف السلام يوماً، وعانى الظلم وسلب الحقوق، وقامت تربيته أبناءه على الكفاح والفداء.
قال لي قائمقام منطقة سوران، التابعة لمحافظة إربيل، في لقاء عابر في مدينة سياحية، أقيمت بتقنية ألمانية، على سفح جبل كورك الذي يرتفع 2127 متراً عن سطح البحر، إن على العرب أن يتفهموا علاقات الكرد مع إسرائيل، ذلك أنهم مضطّرون للبحث عن سبيلٍ لتحقيق أحلامهم القومية، أياً كانت الوسيلة. قد يكون معكم حق، أيها الشعب المناضل، لكن انتبهوا أن العرب هم المكوّن الحقيقي لهذه المنطقة الجغرافية من العالم في أقصى غرب آسيا، وهم لذلك جيرانكم الدائمون، لا غيرهم، ثم من قال إن العرب لا يتعاطفون حقاً مع طموحاتكم القومية في الاستقلال وحق تقرير المصير؟ إنها مشكلتكم في التواصل مع الشعوب العربية، وعرض قضيتكم العادلة عليها، تماماً كما هي مشكلة العرب في غياب التفكير الاستراتيجي، وعدم إدراكهم أن الطبيعة تكره الفراغ.
ثمّة مجال متجدّد اليوم لإعادة صياغة العلاقات العربية الكردية، لتقوم على قاعدة الاعتراف المتبادل بالحقوق القومية لكل منهما، وعلى أساس الإقرار بشراكة القوميتين في المستقبل والمصير. طموح الأكراد بإقامة دولةٍ تعبر عن مشاعرهم القومية، لا يسمى انفصالاً، بل حقاً طبيعياً، وحفاظ الأكراد على علاقات الود والشراكة مع العرب لا يتناقض مع طموحهم القومي، بل يخدمه، ويسرّع تحقيقه، ويضمن استمراره، لكن مشكلة الطرفين أنهما يفضّلان الغوص في التاريخ، بدل التفكير في المستقبل. 
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.