في ذكرى7 يوليو... اليمن بين حربين

08 يوليو 2015
اندلاع حرب 1994 بعد تصاعد خلافات شريكي الوحدة(فرانس برس)
+ الخط -
يحل تاريخ السابع من يوليو/تموز، هذا العام، في اليمن، والذي يصادف ذكرى انتهاء الحرب الأهلية بين شريكي وحدة 1990 والمعروفة بحرب صيف عام 1994، فيما تواجه البلاد ظروفاً أكثر تعقيداً مع استمرار الحرب منذ أكثر من 3 أشهر بشقيها؛ الداخلي الذي يتقاتل فيه اليمنيون وجهاً وجهاً ويعدّ الجنوب إحدى أبرز ساحاتها، والخارجي في ظل استمرار الغارات التي ينفذها التحالف العشري والمعارك على الحدود بين اليمن والسعودية. ومما يزيد الأوضاع الراهنة تعقيداً تداخل العوامل الإقليمية بالتاريخية بالأزمات الداخلية والأمنية، حيث لا جنوب قادر على الانفصال والحفاظ على ذاته، ولا دولة في الشمال تلم حدود قبل عام 1990، أو تحافظ على الوحدة. وهو ما يدفع كثيرين إلى القول، إن الحرب التي تشهدها البلاد، حالياً، أبرز من سابقاتها، وتحضر فيها عوامل متشابكة من ملفات الحاضر المستجدة والماضي، وأهمها حرب 1994 التي مهّدت لها الخلافات بين شريكي الوحدة وفشل جميع الجهود لاحتوائها.
ففي 22 من مايو/أيار 1990، توحّد الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية) مع الشمال (الجمهورية العربية اليمنية) بإرادة طوعية لصالح الكيان الموحد "الجمهورية اليمنية".
ومثّل الجنوب حينها الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم، برئاسة علي سالم البيض، فيما مثّل الشمال حزب المؤتمر الشعبي العام، الحاكم شمالاً، برئاسة علي عبدالله صالح، الذي أصبح بعدها رئيساً لدولة الوحدة، وأصبح البيض نائبَه. وتشارك الحزبان (المؤتمر والاشتراكي) الحكم بموجب الاتفاق الذي نظم المرحلة الانتقالية.

اقرأ أيضاً: 25 عاماً على الوحدة اليمنية: أزمات وحروب أرهقت التجربة

بعد إعادة توحيد اليمن، بدأت الخلافات تدب بين شريكي الوحدة (المؤتمر والاشتراكي)، لأسباب يتبادل الطرفان الاتهامات فيها، ويتباينان في توصيفها. وزاد من توتير العلاقة المناخ السياسي الإقليمي والدولي حينها، والذي وقف ضد نظام صالح، على إثر موقف الأخير الداعم بصورة غير مباشرة للعراق وتحالفه مع صدام حسين.
وصل الخلاف بين الشريكين مرحلة غير مسبوقة بعد الانتخابات البرلمانية في عام 1993، والتي حصل فيها المؤتمر على المركز الأول، وحزب الإصلاح (حليف للمؤتمر يومها) على المركز الثاني، بينما حصل الاشتراكي الذي يمثل الطرف الجنوبي في الوحدة على المركز الثالث. وكان الطرفان الحاكمان سابقاً، المؤتمر والاشتراكي، لا يزال كل منهما يحتفظ بجيشه نتيجة عدم إتمام عملية دمج الجيشين، الأمر الذي ساعد على التهيؤ للحرب.
بدأت الاستعدادات العسكرية وحوادث التوتر أوائل عام 1994، وتطورت إلى صراع مباشر بعد خطاب ألقاه صالح في ميدان السبعين في صنعاء في 27أبريل/نيسان حمل رسائل تهديد بالحرب. وانفجر الوضع بعدها في محافظة عمران، بين لواءين، أحدهما موالٍ للاشتراكي (جنوبي) والآخر للمؤتمر (شمالي)، انتهت المعركة بتدمير اللواءين وخسائر كبيرة لدى الطرفين.
وفي الرابع من مايو/أيار، بدأ الصراع على نطاق واسع بين القوات الموالية للمؤتمر والقوات الموالية للاشتراكي بقيادة البيض، الذي كان قد تمركز في عدن ورفض العودة إلى صنعاء. وفي 21 من الشهر نفسه، أعلن البيض الانفصال، وعادت نتائج هذا الإعلان ميدانياً لصالح تحالف صالح، الذي حارب باسم "الشرعية" ورفع شعار "الوحدة أو الموت".
كانت ساحة المعارك في العديد من المحافظات. تركزت جنوباً في الضالع، لحج، عدن، أبين، شبوة، وصولاً إلى حضرموت. وشمالاً كانت عمران وذمار والمحافظات الحدودية، وأهمها البيضاء وتعز، أبرز مناطق التوتر.
يومها كان تحالف "الشرعية" (شمال)، مؤلفاً من الوحدات العسكرية الشمالية ووحدات عسكرية جنوبية نزحت إلى الشمال على إثر حرب 1986 بين أجنحة الحزب الحاكم في الجنوب. كما كان ضمن التحالف حزب الإصلاح ومجموعات قبلية وجهادية. إقليمياً ودولياً، كان هذا الطرف متحالفاً مع العراق، وسط نقمة عليه من العديد من دول المنطقة والعالم.

في المقابل، كانت القوات الجنوبية الموالية للاشتراكي هي القوة الميدانية الأساسية التي تشارك في الحرب مع دعم إقليمي قوي حصلت عليه، وخصوصاً من السعودية، إذ كانت دول الخليج تميل إلى الطرف الجنوبي، باستثناء قطر التي رفضت الاعتراف بالانفصال، الذي أعلنه البيض في 21 مايو.
استمرت الحرب التي بدأت على نطاق واسع، في الرابع من مايو حتى السابع من يوليو، وهو تاريخ دخول القوات (الشمالية والجنوبية والمتحالفة معها) إلى مدينتي عدن والمكلا، أبرز مركزين في المحافظات الجنوبية. بهذا التطور انهارت جبهة القوات الموالية للاشتراكي ونزح البيض وعدد من القيادات الجنوبية إلى خارج البلاد. ويعتبر بعض الجنوبيين أن تاريخ 7/7 هو تاريخ ما يسمونه "احتلال الجنوب"، ويصفون ما بعده بأنه وحدة بـ"القوة".
بعد الحرب سيطر حزب صالح على الحكم مع شراكة مؤقتة مع الإصلاح، وحل فريق الجنوبيين المعارضين، لتيار البيض والذين تحالفوا مع "الشرعية" وشاركوا في الحرب ضد الاشتراكي، مكانه في الشراكة في السلطة.
وكان من أبرز الشخصيات في هذا الفريق، عبدربه منصور هادي الذي كان يقود قوات جنوبية متحالفة مع صالح، وتولى بعد الحرب منصب نائب الرئيس، خلفاً للبيض.
سقط الآلاف في حرب 94، التي خلّفت خسائر كبيرة على الاقتصاد والبنية التحتية. كما تركت الحرب آثارها السياسية والنفسية على الوضع اليمني، خصوصاً مع الإقصاء الذي طاول قسماً من الكوادر العسكرية والأمنية والمدنية الجنوبية من نظام المخلوع بعد استفراده في الحكم، ومثلت الحرب، أحد الأسباب التي اندلع على إثرها "الحراك الجنوبي" في عام 2007، وتطور إلى دعوات للانفصال لا تزال مستمرة، إلى اليوم، على الرغم من تعقد المشهد، وخصوصاً مع تحويل مليشيات الحوثيين الجنوب إلى ساحة رئيسية لمعاركهم الداخلية.


بين حربين


كانت حرب 94 هي الحرب الأكبر في الذاكرة اليمنية القريبة، على الأقل من حيث كونها لا تزال مؤثرة على المعادلة السياسية في البلاد. لكن منذ بدء عمليات التحالف العربي في اليمن 26مارس/آذار الماضي، وتوسع الحرب، يرى عديدون أن الحرب الحالية، أصبحت الأكبر والأكثر تأثيراً من سابقاتها.
أما من ناحية زمن الحرب، فإن الأخيرة التي لا يعرف بعد موعد انتهائها، مستمرة لفترة أطول من حرب 94 التي بدأت في مايو/أيار وانتهت في يوليو/تموز. ومن حيث ميدان المواجهة، فقد كانت أغلب المدن التي شهدت مواجهات في حرب 94 ساحة لمواجهات في عام 2015، مع وجود العديد من الفروق. داخلياً، فإنّ أغلب القوات النظامية، حالياً، تقف في صف تحالف الحوثيين وصالح. في المقابل، فإن القوات الموالية لـ"الشرعية" والرئيس هادي تضم قلة من القوات النظامية، والبقية تشكلت من مجموعات ما عرف بـ"المقاومة الشعبية". كما تأخذ الحرب صيغة مليشاوية ومواجهات داخل المدن، زادت الكلفة على المدنيين والمدن، وخصوصاً في محافظات تعز، عدن، الضالع، لحج. أما في عام 1994، فكانت أغلب القوى الشمالية متحالفة مع صالح إلى جانب قوى جنوبية. وفي الحرب الدائرة، حالياً، أخذت الحرب صيغة مختلفة، بين "شرعية" يرأسها جنوبي وتدعمها قوى شمالية مثل حزب الإصلاح وأطراف قبلية وعسكرية، في مقابل تحالف انقلابي (قوات الرئيس المخلوع ومليشيات الحوثيين) لا تتمتع حربه بأي غطاء قانوني أو دعم دولي، باستثناء إيران حليف الحوثيين.

في المقابل، يعدّ دخول التحالف العربي المؤلف من عشر دول بقيادة السعودية أبرز عامل عسكري في الحرب الدائرة، حالياً، حيث سيطر التحالف على المنافذ البحرية والجوية وعطلت القوات الجوية الموالية للانقلابين، منذ اليوم الأول، ونفذ آلاف الغارات الجوية ضد المعسكرات الموالية للحوثيين وصالح في 19 محافظة يمنية من 22 محافظة، الأمر الذي يجعل من الحرب الدائرة أوسع من حيث دور التحالف المباشر والضربات الجوية وتوسع الأهداف.
أما موضوع الوحدة والانفصال فلم يكن غائباً تماماً، إذ إن الرئيس المخلوع وجه اتهامات لخلفه هادي بالسعي للانفصال. وينظر جزء من الجنوبيين إلى استماتة الموالين للحوثيين وصالح وحروبهم في معاركهم الجنوب، بأنه امتداد لحرب 94.
ومن مفارقات الحرب الأخيرة، إنه في عام 1994، كان الحوثيون تياراً غير معروف بالاسم لكنه موجود سياسياً كجزء من حزب الحق، الطرف الشمالي الوحيد الذي اُتهم بالانحياز للاشتراكي أثناء الحرب. وقد توجهت اتهامات لمؤسس الجماعة (فيما بعد)، حسين بدر الدين الحوثي، الذي كان عضواً في البرلمان، بدعم "الانفصال". وبصيغة أخرى فقد كان الحوثي متحالفاً مع الاشتراكي في 94، في مقابل تحالف المؤتمر مع الإصلاح. لكن تبدلت التحالفات في الحرب الأخيرة، فالحوثيون تحالفوا مع صالح، والإصلاح مع هادي.

اقرأ أيضاً: قصة حروب يمنية تعقبها حوارات

المساهمون