في حقيقة الصراع مع الانقلاب

11 يوليو 2014
+ الخط -


ما هي حقيقة الصراع مع الانقلاب، هل هو صراع ديني أم سياسي أم طبقي، أم أنه صراع مسكون بالصراع الدولي في المنطقة؟

إن تحديد مكامن الصراع مع الانقلاب، والمصالح التي يتهدَّدها أحد الخصوم، من الأمور التي يكون الحكم عليها ذاتياً، فبحسب تكوين أطراف الصراع وإمكاناتهم وأوضاعهم ومراكزهم ونفوذهم وقدراتهم، يكون تحديد أولويات ودوافع الهجوم والدفاع.

حين تحاول التيارات المعارضة للانقلاب توصيف حقيقة الصراع، نجد أن الإسلامي لا يمكن أن ينفي الفكرة الدينية في الصراع؛ لأنه ينطلق، ولو نظرياً، من اعتقادٍ مفاده أن كل فعل يقوم به يجب أن يكون لله، وأن كل فعل للإنسان له في شرع الله حكم، سواء كان بالوجوب أو الحرمة.

والعلماني المعارض للانقلاب الذي ينظر إلى قضايا انتهاك الحقوق والحريات وسياسات تكميم الأفواه، على أنها جوهر الصراع، يؤخر العامل الديني في الصراع، وفقاً للمنظومة الفكرية التي يعتنقها، فلا يستطيع أحدٌ أن يجبره على تقديم العامل الديني على ما عداه من عوامل، يرى أنه من المهم تصديرها في خطابه المناهض للانقلاب.

وكذلك اليساري الذي يرى في الانقلاب بُعْداً طبقيّاً، حين يستهدف بسياساته مزيداً من الفقر للفقراء، وتمكيناً أكبر لطبقة ثرية من العسكريين والرأسماليين المرتبطين بمنظومة العولمة والنيوليبرالية، هو على حق، أيضاً، في نظرته هذه، وفقاً للمنظومة الفكرية التي يتبنَّاها.

إذن؛ الأسئلة المتعلقة بأن الانقلاب هل يحارب الإسلام أم لا؟ أو هل يعادي الفقراء أم لا؟ أو هل يسعى نحو الديمقراطية أم لا؟ اختزالية في الاتجاه الخطأ، والوجهة الأفضل للأسئلة المتعلقة بالانقلاب، ينبغي أن تسير في مسار أسئلة من نوع: هل الانقلاب يمثل خطراً على ثوابت دينية، كسيادة العدل ونبذ الظلم وحماية الحقوق العامة، وحرمة الفساد والاستبداد؟ وهل الانقلاب يمثل خطراً على ثوابت مجتمعية، كضرورة حماية الفقراء من تغوُّل السياسات النيوليبرالية؟ وهل يمثل الانقلاب خطراً على ثوابت سياسية، مثل العداء مع إسرائيل ورفض هيمنة الإرادات الأميركية والأوروبية والصهيونية على القرار المصري؟ إلى غير ذلك من مظاهر خطورة يمكن أن يمثلها الانقلاب.

صحيح أن الأمثلة السابقة متداخلة، بمعنى أن الثوابت الدينية تدخل فيها ثوابت سياسية واجتماعية، فهي دوائر متشابكة، لا ينفي بعضها بعضاً، لكن المشكلة، هنا، أن يحاول طرف من هذه الأطراف أن يفرض أولويته على الآخرين، لاسيما وأن هذه الرؤى، من الناحية العملية، في مواجهة الانقلاب لا تقتضي نزاعاً يعطل العمل المشترك بين الأطراف التي يجب أن تكون متعاضدة في مواجهة الانقلاب.

فإذا كان الانقلاب حرباً على معتقداتنا الذاتية، إسلامية أم قومية أم ليبرالية أم ماركسية أم إنسانية؛ فما الذي يعتقده الانقلابي في قرارة نفسه، وهو يتحرك ليقتل ويعتقل ويعذب، ويلفق الاتهامات للأبرياء، ويخترع مرتزقة يساريين، ليتحدثوا عن عدالة رفع الدعم عن الفقراء، أو ليبراليين عن مدى الحرية التي يتمتع بها المصريون في السجون والمعتقلات.

لا أحاول نفي أن هناك حروباً على الإسلام، أو على الشيوعية، أو على العالم الفقير المليء بالثروات، ففكرة الصراع أساسية في السياق الإنساني، منذ بدء الخليقة، وهذه الحروب معلنة من المحاربين أنفسهم، صحيح أنها تتوارى بعض الشيء في خطابات الدعاية السياسية، لكنها لا تُنْكَر، بل هي من ثوابت حركة الكون.

لا اختلاف على أن أغلب رافضي الانقلاب من غير أهل السلطة، المطاح بهم، والمُودَعُونَ الآن، مع غيرهم في غياهب السجون، ظلماً وعدواناً، وعموم رافضي الانقلاب يقاومونه، لا من أجل أن يقفزوا على مقاعد السلطة، فور سقوط الانقلاب، فهؤلاء البسطاء، في مختلف المدن والقرى والكفور والنجوع، لا يحلمون بغير الحرية والكرامة والأمن والعدالة.

إذا سلمنا جدلاً بأن هناك من يصارع فقط لأجل السلطة، وهذا حقه، إن كان له وجه في طلبها لكفاءةٍ، أو لشعبية، أو لأسباب قانونية معتبرة، أو غير ذلك من أسباب طلب السلطة، إذا سلمنا بذلك، فلا أظننا ينبغي أن نختلف على أنهم أقلية، وأن جُلَّ رافضي الانقلاب يناضلون، إذا كان للسلطة اعتبار في نضالهم، فمن أجل الحق في السلطة، وليس أخذها عنوة.

أحمد خلف (مصر)
أحمد خلف (مصر)