فن ضدّ الاستسلام.. أمس واليوم وغداً

فن ضدّ الاستسلام.. أمس واليوم وغداً

19 اغسطس 2020
مصطفى الحلاج/ فلسطين
+ الخط -

شكّل الصراع العربي الصهيوني هاجساً أساسياً لدى معظم الفنانين التشكيليين العرب ضمن تعبيرات غلبت عليها الواقعية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث حاول العديد منهم تطوير لغته البصرية في تناوله القضية الفلسطينية عبر الخروج من فخّ المباشرة واالتقليد، وكان ذلك تحدياً كبيراً استطاع بعضهم تجاوزه.

بعد الإعلان عن توقيع اتفاقية التطبيع بين الإمارات والكيان الصهيوني، في الثالث عشر من الشهر الجاري، استعاد العديد من ناشطي وسائط التواصل الاجتماعي أعمالاً فنية وملصقات ورسوماً كاريكاتيرية، ربما لم يتذكرها كثيرون منذ زمن طويل، بينما وضع آخرون أعمالاً حديثة نُفّذت خلال الأيام الأخيرة.

الصورة
(من رسومات ناجي العلي التي تستعاد مؤخراً)
(من رسومات ناجي العلي التي تستعاد مؤخراً)

البعض استعاد أعمال الفنان الفلسطيني مصطفى الحلاج (1938 - 2002) في الحفر أو الرسم التي أبرزت فلسطين في بعد ملحمي يستند إلى الأساطير الكنعانية القديمة والحكايات الشعبية ورموز الثقافة الفلسطينية ومن الحضارة الفرعونية والفينيقية، والتي وظّفها جميعاً لتشير إلى تلك الجذور الراسخة والرحلة الطويلة من الصمود والتحدي.

آخرون نشروا لوحة "القدس" للفنان المغربي فريد بلكاهية (1924 - 2014) التي نفّها بتقنية تشبه أعمالاً سابقة اختار لها مواد استخدمت في تراث الحرف التقليدية في المغرب، مستخدماً أصباغاً على الجلد مثبتة على لوح خشبي، وفيها تظهر قباب ومآذن المدينة المقدسة إلى جوار كنائسه في تشكيل هندسي بسيط يعتمد المربعات والمثلثات المتداخلة والأقواس والدوائر.

الصورة
(طابع بريدي من تصميم الفنان العُماني محمد نظام)
(طابع بريدي من تصميم الفنان العُماني محمد نظام)

كما نُشرت أعمال لفنانين آخرين مثل إسماعيل شموط وتمام الأكحل وسليمان منصور وعبد الحي مسلم ونصر عبد العزيز، واستعيدت أيضاً العديد من رسومات الكاريكاتير ناجي العلي خاصة تلك التي يدفع بها عربيٌ برميل نفط مطلي بالعلم الأمريكي ومكتوب عليه "التطبيع!!!" فيما حنظلة يتأمله، وآخر لحاج فلسطيني يدعو ربه قائلاً: "سامحني يا رب.. كنت مجنون.. كنت أهبل.. كنت أصفق لما يقولوا بدهم يحرروا فلسطين.. كنت أثق بكلامهم.. التوبة يارب التوبة التوبة".

وتمّ تداول رسومات كاريكتير حديثة أتت كردّة فعل على اتفاقية التطبيع الإماراتية الإسرائيلية، لفنانين عديدين منهم عماد حجاج الذي يصوّر في أحد كاريكاتيراته يدين تخرجان من بسطارين وهما تتصافحان؛ أحدهما كتب عليه الاحتلال الصهيوني والآخر الثورة المضادة، فيما الحذاءان مربوطان بخيط واحد، ورسم محمد سباعنة ترامب يرفع يافطة انتخابية هي عبارة عن مسوؤل إماراتي مشدود كثوب مكتوب عليه: "انتخبوني"، كما رسمت أمية جحا يدين تتصافحان، كفّ الأولى رأس أفعى تمثّل الكيان الصهيوني بينما الكف الثانية لحمامة سلام ترفع غصن الزيتون وتجسد الإمارات.

الصورة
(كاريكاتير للفنان عماد حجاج)
(كاريكاتير للفنان عماد حجاج)

نُشرت أعمال للعديد من الفنانين العُمانيين في إطار رفض شخصيات ثقافية وأعلامية عمانية لاتفاقية التطبيع، ومنها طابع بمناسبة انتفاضة الأقصى صمّمه الفنان محمد نظام وصدر عام 2001، ويقدّم الطفل الفلسطيني الشهيد فارس عودة (1985 - 2000) الذي يحمل حجراً ويرمي دبابة إسرائيلية، وفي الخلفية صورة لقبة الصخرة.

إلى جانب أعمال الفنانة العُمانية فخرا تاج الإسماعيلي التي تناولت القضية الفلسطينية، وعمل للفنان العُماني محمد الصايغ بعنوان "محمد الدرة"، وآخر لسالم السلامي لأمّ فلسطينية ترفع العلم الفلسطيني قرب شهداء سقطوا دفاعاً عن القدس.

ذاكرة بصرية ممتّدة شكّلت فلسطين فيها رمزاً عربياً يدلّ على الثبات وعدم الرضوخ والتنازل، ومفهوماً أوسع لمعنى التحرّر من كلّ طواغيت الاستعمار والاستبداد، ولم تغب يوماً في الفن العربي الذي سيظل أداة أساسية في رفض الاستسلام.

المساهمون