فشل الحشد للانتخابات المصرية يعجل بتشكيل ظهير سياسي للسيسي

فشل الحشد للانتخابات المصرية يعجل بتشكيل ظهير سياسي للسيسي

31 مارس 2018
التهديد بغرامة دفع بعض المواطنين للاقتراع (العربي الجديد)
+ الخط -
أظهرت النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية المصرية فشلاً ذريعاً لأجهزة الرئيس عبدالفتاح السيسي في حشد الجماهير وإقناعها بالمشاركة في التصويت له أو حتى لإبطال أصواتهم، ليس فقط لأن الأرقام الرسمية التي أعلنت من اللجان العامة تشير إلى حصول السيسي على نحو 22 مليون صوت في الداخل، أي أقل بنحو مليوني صوت عما حصل عليه عام 2014 في مواجهة حمدين صباحي، وليس فقط لأن نسبة المشاركة الواردة من اللجان الفرعية تقل عن 45 في المائة مقابل 47.5 في المائة في 2014، بل أيضاً لأن نسبة كبيرة من المشاركين توجّهت إلى اللجان في اليوم الثالث الذي استخدم فيه النظام سلاح التهديد القانوني بغرامة 500 جنيه لكل من لم يشارك، وهو التهديد الذي لم يصدر عن السلطتين التنفيذية والقضائية من قبل.

وبعيداً عن قدرة النظام حالياً على رفع نسب المشاركة خلال اليومين المقبلين تحت ستار "تجميع النتائج وإضافة أصوات الخارج"، والتي بدأت مؤشراتها بنشر أخبار في الصحف الموالية للسلطة تفيد بأن نسبة المشاركة تقترب من 50 في المائة، على الرغم من أن النتائج الرسمية الصادرة من اللجان العامة لا تتجاوز 45 في المائة، إلا أن أجهزة النظام بدأت على الفور في تقييم ما حدث في أيام الاقتراع الثلاثة. وتفيد المعلومات بحالة من الغضب يعيشها السيسي بسبب عدم قدرة نواب الأكثرية النيابية وأحزابها والمحافظين وكذلك وسائل الإعلام، على إقناع المواطنين بالمشاركة، واضطرار النظام للاستعانة بالتدخلات المباشرة من الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها المباحث العامة والأمن الوطني، واضطرارها للاحتكاك المباشر بالجماهير لإجبارهم على التصويت، فضلاً عن إقحام الهيئة الوطنية للانتخابات في الدعاية للتلويح بالتهديدات القانونية.

وجاءت نتائج اللجان العامة معبّرة بوضوح عن ظاهرة عودة الشرطة إلى إدارة المشهد الانتخابي في بعض المحافظات، بعد سنوات من غيابها عن القيام بدور رئيسي في الانتخابات على مستوى الحشد أو تسويد الأوراق أو إغلاق اللجان. فالمحافظات التي رصدت فيها "العربي الجديد" تدخّلات مباشرة من الشرطة، شهدت زيادة ملحوظة ومستغربة في نسب التصويت قياساً بانتخابات 2014، على الرغم من كونها ليست من المحافظات التي سارعت لتأييد السيسي في استيلائه على السلطة في 2013 ثم توليه الرئاسة في 2014.

وفي ظل انخفاض نسبة المشاركة وفقاً لأرقام اللجان العامة، تُظهر الأرقام زيادة غير متوقعة في أعداد المشاركين في محافظات الصعيد التي كانت ساحة لأكبر فعاليات معارضة للنظام الجديد وشهدت أكبر الحملات الأمنية ضد الملتزمين دينياً وعناصر مجموعات الإسلام السياسي المختلفة. فعلى سبيل المثال شارك من محافظة المنيا مليون ونصف مليون ناخب تقريباً مقابل مشاركة مليون ناخب فقط في 2014. وفي أسيوط، شارك مليون و100 ألف ناخب مقابل أقل من 750 ألفاً في 2014، وفي سوهاج، شارك 940 ألف ناخب مقابل 880 ألفاً في 2014، وفي قنا، شارك 600 ألف ناخب بزيادة حوالي 100 ألف ناخب عن 2014. وفي الفيوم، شارك 800 ألف ناخب مقابل نصف مليون فقط في 2014، وفي بني سويف، شارك 850 ألف ناخب مقابل 611 ألفاً فقط في 2014.

المحافظات المذكورة التي تمثل 95 في المائة من عدد سكان الصعيد، والتي تُعتبر الأكثر فقراً على مستوى الجمهورية، والمصنّفة باعتبارها منبتاً لمعظم المتهمين المطلوبين في قضايا جماعة "الإخوان" والجماعات الأخرى المتهمة بالإرهاب، كانت مسرحاً لتوسع مضطرد في استخدام الشرطة سلطتها لإلزام المواطنين بالنزول والمشاركة، أو إجبار العمد وشيوخ القرى وكبار العائلات على إلزام المواطنين بالنزول، باستخدام التهديدات أو الرشاوى الانتخابية الصريحة استغلالاً لفقر المواطنين وحاجتهم، كتوزيع اللحوم والغلال والزيوت.

وسبق أن كشفت "العربي الجديد"، يوم الأربعاء الماضي، قبل إغلاق صناديق الاقتراع، أن مديريات الأمن وفروع الأمن الوطني أمرت كبار العائلات في قرى المنيا وأسيوط وسوهاج بذبح العجول والخراف وتوزيعها على المواطنين شرط أن تكون أصابعهم مصبوغة بالحبر الفسفوري، وهو ما دفع العشرات من أهالي قرى معينة إلى التصويت للحصول على اللحوم. أما في الفيوم وبني سويف (اللتين شهدتا أكبر نسب تأييد لجماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2011 و2012)، فربطت مديريات التربية والتعليم والمحليات كشوف الحضور والانصراف بالمشاركة في الانتخابات بأوامر مباشرة.

والمفارقة أن دور الشرطة في إدارة انتخابات السيسي يكاد يكون على طرف النقيض مع دورها المعروف في إدارة الانتخابات في عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك، فبعدما كانت الشرطة تعمد إلى إغلاق اللجان أمام الناخبين ومنعهم من التصويت وتسويد أوراق الاقتراع جماعياً، أصبحت مهمتها الأساسية أن تسوق المواطنين للتصويت رغماً عنهم.


أما في المحافظات التي تحظى بأوضاع اقتصادية أفضل، فلم تفلح جهود الحشد الحكومية في أن تسجّل نسب تصويت قياسية؛ فعلى سبيل المثال، شارك في القاهرة حوالي مليوني ناخب مقابل 3 ملايين ونصف المليون في 2014، وفي الجيزة شارك مليون ونصف المليون ناخب مقابل حوالي مليونين في 2014، وفي الإسكندرية، شارك مليون ونصف المليون ناخب أيضاً مقابل مليون و700 ألف في 2014.
وفي محافظات الدلتا المعروفة بكثافة التصويت لصالح النظام الحاكم في استفتاء وانتخابات 2014، فكان التراجع واضحاً أيضاً، ففي الدقهلية، شارك مليون و900 ألف ناخب مقابل مليونين و200 ألف في 2014، وفي الغربية، شارك مليون و600 ألف ناخب مقابل مليون و800 ألف في 2014، وفي القليوبية، شارك مليون و400 ألف ناخب مقابل مليون ونصف المليون في 2014، وفي دمياط، شارك ما لا يزيد على 400 ألف ناخب مقابل حوالي نصف مليون في 2014.
وإذا تم تحويل أعداد المصوّتين المذكورة، بحسب بيانات اللجان العامة، إلى نسب مئوية، فسوف يتضح الفارق السلبي الكبير قياساً بالنسب المئوية المسجلة في انتخابات الرئاسة السابقة، خصوصاً أن عدد الناخبين زاد من 54 مليوناً تقريباً إلى 59 مليوناً هذا العام.

مصدر سياسي في حزب "مستقبل وطن" المنتمي للأكثرية النيابية، والذي اضطلع بإدارة حملات الحشد للمشاركة في المحافظات، اعترف في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بضعف المشاركة، قائلاً: "كنا نطمح في تسجيل نسبة 50 في المائة على الأقل، لكن هذا لم يحدث، ولولا صدور بيان التهديد من الهيئة الوطنية للانتخابات، وإذاعته في القنوات الفضائية وعبر مكبرات الصوت في المساجد والسيارات في المناطق الشعبية، لما كانت النسبة ستصل إلى 35 في المائة، بما في ذلك المناطق التي شهدت تدخلاً مباشراً من الشرطة".

وشرح المصدر أن هناك عوامل عدة أدت إلى فشل الحشد الشعبي، أولها تعدد الحملات الشعبية وتنافسها على نيل ثقة إدارة الحملة الرئيسية المتمثلة في اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي، ومسؤولين مقربين منه في المخابرات العامة والرقابة الإدارية. ثانيها تجاهل دور الأحزاب والاعتماد على مسؤوليها وعناصرها بصورة فردية وليست جماعية أو مؤسسية، والعامل الثالث هو تجاهل الشرطة تماماً في الإعداد للحملات على الرغم من أنها الأكثر إدراكاً لطبيعة المناطق المختلفة اجتماعياً واقتصادياً والاعتماد عليها فقط من اليوم الثاني للاقتراع بعدما اتضح ضعف نسبة المشاركة منذ عصر اليوم الأول. أما العامل الرابع، والأهم من وجهة نظره، فهو الغياب التام للسياسة في خطاب السيسي ودعايته والاعتماد على الحديث عن المشاريع الكبرى التي ليس لها أي صدى على المواطن العادي.

حديث المصدر يتقاطع مع رؤية أخرى يقدّمها نائب برلماني رفض ذكر اسمه، اعتبر أن الانتخابات الرئاسية "هي شهادة وفاة اعتماد السيسي على ما يسمى بالحملات الشعبية"، والتي يصفها النائب بأنها "تضم بشكل أساسي المنتفعين والباحثين عن المصالح الذاتية وتلفظ الأكفاء حتى من داخل النظام نفسه". ورجّح النائب أن يكون أداء تلك الحملات التي يديرها بشكل أساسي ضباط صغار في الأجهزة الأمنية والرقابية، أو رجال أعمال يأتمرون بأمر الأجهزة بشكل مباشر، "دافعاً رئيسياً للإسراع في تنفيذ خطة إنشاء ظهير سياسي متماسك للسيسي، سواء في صورة جمعية أو حزب سياسي، وذلك بتجميع الأحزاب الممثلة للأكثرية النيابية، حتى تكون هناك قيادة مركزية واحدة أقدر على التواصل مع الشارع، كما كان الحزب الوطني الديمقراطي في عهد مبارك، وألا يقتصر تحكّم النظام على البرلمان والحكومة فقط".

وكانت "العربي الجديد" قد انفردت في فبراير/ شباط الماضي، بنشر تقرير عن اتجاه السيسي لإعادة تشكيل ظهيره السياسي ممثلاً في جمعية سياسية تضم ائتلاف الأغلبية النيابية "دعم مصر" والذي يضم نحو 320 نائباً، من بينهم 100 ممثل تقريباً لسبعة أحزاب تديرها مباشرة دائرة السيسي، كخطوة أولى لإنشاء حزب كبير تنضوي تحته الأحزاب السبعة الممثّلة في البرلمان وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى.
والأحزاب المرشحة للانضمام حتى الآن هي السبعة المكوّنة لائتلاف "دعم مصر" البرلماني: "مستقبل وطن"، و"حماة الوطن"، و"المؤتمر"، و"مصر بلدي"، و"الشعب الجمهوري"، و"الحرية"، و"مصر الحديثة"، إضافة إلى أحزاب أخرى هي "المحافظين" الذي يرأسه رجل الأعمال أكمل قرطام، والذي تراوح علاقته بدائرة السيسي بين الشد والجذب بسبب طموحه السياسي، و"فرسان مصر" الذي يديره عدد من العسكريين القدماء، و"30 يونيو"، و"حقوق الإنسان والمواطنة"، و"نهضة مصر"، وكلها أحزاب مؤيدة للسيسي وفاشلة في الحضور الشعبي. كما سيتم ضم جميع النواب المستقلين في الائتلاف للحزب.

وتتكامل هذه المعلومات مع وجود توجّه لدى دائرة السيسي والحكومة لتعديل قانون الانتخابات البرلمانية لزيادة عدد مقاعد القوائم المغلقة المطلقة التي ستضمن استمرار سيطرة ائتلاف "دعم مصر" على مجلس النواب، وتخفيض عدد المقاعد الفردية التي سمحت بدخول معظم نواب ائتلاف "25-30" المعارض لتوجهات الحكومة، فضلاً عن الإجراءات القائمة لوضع قانون الانتخابات المحلية والتي اختلف مجلس النواب حول إجرائها بين نظام القائمة المغلقة المطلقة بنسبة 100 في المائة أم إتاحة 25 في المائة من المقاعد للنظام الفردي ليتنافس عليها المستقلون.