غزة والديك الأبيض

17 اغسطس 2014
+ الخط -


تحتفل الطائفة اليهودية الأرثوذكسية كل عام بعيد يسمى "يوم كيبور"، أو عيد الغفران، وفي هذا اليوم، يمسك الأب ديكاً أبيض، يديره مرات عديدة فوق رأس ابنه، في طقوس ترمز إلى انتقال ذنوبه إلى الديك، ما يسوغ ذبحه، وقد دفعت هذه الصورة الرمزية أحدهم إلى التعليق بقوله هل الفلسطيني ديك أبيض!

من وجهة نظر قادة العدو الصهيوني، فإن الفلسطيني "ديك أبيض"، وعليه أن يحمل جميع أوزار "شعب الله المختار" وخطاياه، ثم يقدم على المذبح، فرب الحرب والجنود يعلن، في العهد القديم، أن عهده في لحم بنيه عهد أبدي، أما عصابة القتلة في تل أبيب فتعلن أن عهدها في لحم الفلسطينيين أبدي.

من الثابت أن تاريخ الحركة الصهيونية، منذ المؤتمر الأول لها في بازل عام 1897، إلى عهد بنيامين نتنياهو، يشير إلى أن الإسرائيليين، حكومة وشعباً وأجهزة، متمسكون بسياسة الإرهاب الرسمي، والتي تدعمها وترعاها الدولة العصابة بكل ما أوتيت من القوة، وأن هذا الإرهاب يرتدي طابع العنف المقدس، الذي يبحث عن أضحيةٍ، تجد تعبيرها في الديك الأبيض، الذي عليه أن يحمل جميع خطايا شعب الله المختار، ويطهرهم منها، والديك الأبيض هنا هو الشعب الفلسطيني، أينما كان وأينما وجد.

كان الإرهاب الصهيوني، ولا يزال، أحد المكونات الرئيسية للسياسة الصهيونية، وإحدى الدعائم التي استندت إليها الصهيونية في تحقيق أهدافها في فلسطين، وقد اقترن قيام الكيان الإسرائيلي بأبشع أشكال الإرهاب الذي مارسته الحركة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المجاورة، وضد كل من حاول ويحاول أن يعرقل تحقيق أهدافها، وكان إرهاباً مدروساً ومنظماً، مارسته المنظمات الصهيونية الإرهابية في البداية، ثم مارسه الكيان الصهيوني، بعد اغتصابه فلسطين.

فالإرهاب والقتل لم يكونا وسيلة استخدمتها الصهيونية لإقامة دولتها، بل هما جزء أساسي من تكوين الفكر الصهيوني والتقاليد المتوارثة من هذا الفكر.

والدولة العبرية والإرهاب متلازمان، ووجهان لحقيقة واحدة، والإرهاب، بالنسبة إلى إسرائيل، أسلوب عمل، إضافة إلى كونه من مقومات أيديولوجيتها، وإذا كان الإرهاب نزعة شاذة في السلوك البشري، فهو ليس كذلك في العرف الصهيوني الذي يعتبر الإرهاب ركيزة يستند إليها نظام الفرد والمجتمع الإسرائيلي. ومن هذا المبدأ، ارتكزت المذابح الجماعية التي قامت بها الدولة العبرية في جميع مدن فلسطين وقراها ومخيماتها، على مدى أكثر من ستة عقود، باعتماد قانون "الحق المطلق" الذي يضع الصهيونية في جهة أعلى من باقي البشر، وعلى الإيمان بالحقد الأعمى على العرب، ونقض حقوقهم الطبيعية نقضاً كاملاً، إلى درجة تصبح فيها جريمة إبادة الجنس العربي هدفاً مطلوباً بحد ذاته.

هذا الإرهاب هو الذي جعل الجندي الإسرائيلي المشارك في العدوان على غزة، ديفيد عوفاديا، يفتخر بقتله 13 طفلاً فلسطينياً، ويقول هذه البداية لقتل أطفال المسلمين. هذا الإرهاب هو الذي جعل الصهاينة يغنّون في شوارع القدس الغربية وتل أبيب، ويفتخرون بقتل الأطفال الفلسطينيين، ويرددون شعارات مثل:

 "المدارس في غزة لن تفتح، لأنه لن يبقى أطفال في غزة".

"الجندي العزيز كم طفلاً فلسطينياً قتلت اليوم في غزة، اللهم أكثر من قتلهم".

هذا الإرهاب هو الذي وصف السفاح، باروخ غولدشتاين، بأنه (كان أطيب رجل، إنه لم يكن يستطيع أن يضر قطة)، ولكن هذا الطيب قتل عشرات من الفلسطينيين وهم يؤدون الصلاة في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل في شهر رمضان عام 1994 متمثلاً قصة الديك الأبيض.

حينها سارع الإعلام الإسرائيلي والساسة في تل أبيب إلى القول إن الفاعل مجنون، وأعلن بعض أبناء جلدتـنا أن هذا مجنون، يحاول أن يخرب اتفاق أوسلو الذي أنتج لنا "سلام الشجعان".
وعندما أضرم المتعصب الصهيوني، مايكل روهان، النار في المسجد الأقصى، في أغسطس/آب 1969، زعم المحققون الإسرائيليون أن الفاعل مجنون، وخرج بعض أبناء العروبة علينا بالقول إن هذا الفاعل مجنون، وليس مستغرباً أن يظهر مجنون واحد فقط من أبناء عمومتـنا ليحرق المسجد الأقصى.

السجل الدموي الصهيوني ضد الفلسطينيين حافل بجرائم غريبة في بشاعتها، يندر أن تجد مثيلاً لها في أي مكان، أو في أي زمان، إلا في العصور المظلمة التي عانت فيها البشرية من جحافل التتار أو البربرية أو النازية أو الفاشية.

وبصمات الإرهاب الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني لم تمحها ولن تمحوها الأيام، فإسرائيل هي التي فرّغت الأرض من أصحابها الأصليين بالقتل والطرد في العراء، وهي التي استخدمت كل أساليب القمع، وما تفتقت عنه عبقرية جنرالاتها من وسائل وحشية لإخماد الصوت الفلسطيني، من اغتيال القيادات الفلسطينية والكوادر العلمية العربية، وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، واستخدام القنابل المحرمة دولياً، وقطع الماء والكهرباء عن أحياء كاملة أشهر طويلة، وإغلاق المساجد ودور العبادة وإحاطتها بالأسلاك الشائكة ومنع الفلسطينيين من إقامة الصلاة فيها، واقتحام المدارس وقاعات العلم وإغلاقها سنوات عدة، وفرض منع التجول على مناطق واسعة من الأراضي المحتلة مدة طويلة، وحرب التجويع والحصار ضد المدن والقرى والمخيمات، وقصف منازل المواطنين بالطائرات والصواريخ المضادة للدبابات، وقذائف المدفعية، في مثال واضح على الإرهاب الإسرائيلي.

الإرهاب الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية لا يختلف في شيء عن الإرهاب النازي، وهو الذي دفع بالمفكر والسياسي اليهودي، إسرائيل شاحاك، إلى القول: "لا يوجد جديد في الحقيقة القائلة إن إسرائيل دولة إرهابية، فمنذ قيامها، استخدمت الموساد للقيام بأعمال عنف وإرهاب، بما في ذلك الاغتيال الذي تعتبره ضرورياً لتحقيق رغباتها، وإن جميع الحكومات الإسرائيلية مارست الإرهاب، وإن جميع الأحزاب الإسرائيلية تؤيد هذه الممارسات".

avata
avata
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)