غرام الأفاعي

غرام الأفاعي

08 ابريل 2015

جدارية في غزة (الأناضول)

+ الخط -

دفع الإعلان عن اختفاء مستوطن إسرائيلي، قبل أيام، قوات الاحتلال إلى شنّ حملة اعتقالات واسعة بين صفوف الشبان في بلدة حلحول الفلسطينية المحتلة، وقامت، أيضاً، بحملة تفتيش ومداهمة واسعة للمنازل، فروّعت سكانها، كباراً وصغاراً. وبعد ساعات، ظهر أن المستوطن اتفق مع صديقه على الادعاء أنه قد اختطف ليثير شفقة حبيبته وحزنها، فترضى عنه، وتعيد مياه الغرام إلى مجاريها، ولم تتوقف وسائل التواصل الاجتماعي عن التهكم والسخرية من الحادثة، بعد شيوع مخاوف من حرب جديدة على غزة. وعلى الرغم من أنه تم اعتقال المستوطن وصديقه اللذيْن دبرا الخطة، إلا أن هذا لم يشف غليل الفلسطينيين، لكن الفضيلة الوحيدة لما حدث من هذه المسرحية الهزلية، على الساحة السياسية، أنه كشف هشاشة أجهزة استخبارات الجيش الإسرائيلي التي لم تكتشف "لعبة روميو وصديقه الغرامية".
بعد عام النكبة، كانت جدتي ترعب أطفالها من الجندي الإسرائيلي، وكان الأطفال يتساءلون: هل الجندي الإسرائيلي يأكل ويشرب ويتزوج وينجب؟ سألني أولادي السؤال نفسه، وزادوا عليه: هل يحب الإسرائيلي كما نحب نحن العرب ونغني للحب؟
اقتنع الأبناء أن الإسرائيلي الذي يقتل الأطفال والنساء هو نفسه الذي قلّد مع صديقه خطة مكررة عن محاولات العشاق، على اختلاف جنسياتهم، لفت أنظار الحبيبة، أو استعادتها، والبرهنة على حبهم، بادعاء الموت والاختطاف أو المرض. فقبل عام، طعن عسكري كويتي نفسه بسكين، وأُنقذت حياته في اللحظات الأخيرة، وكان ذلك بعد شجار مع حبيبته وضربه لها، فقرر أن يعاقب نفسه، لعله يكسب رضاها. وقدمت السينما قبل عقود الفيلم الكوميدي الذي أمتعنا، وانتزع ضحكاتنا، ودفعنا إلى التضامن مع الزوج البائس الذي ادعى الموت، ليكسب حب زوجته ويتخلص من مشاكسات أمها، فكان الفيلم الرائع "حماتي ملاك"، حيث أفلحت المحاولة، وعادت الحياة إلى مجاريها بين الزوجين.
وتفسيراً لمحاولات الانتحار، أو تلفيقها، يؤكد الطب الشرعي والجنائي أن معظم من يحاولون الانتحار من العشاق والمغرمين الشباب لا يكونون جادين إطلاقاً، ويكونون حريصين على حياتهم. ولذلك، يستعلمون، مثلاً، عن الجرعة المحددة من عقار معين وتؤدي إلى الغيبوبة ساعات، وليس إلى الموت.
وتأكيداً لمقولة أن الحب لا يعرف غنياً ولا فقيراً، جاءتني جارة تدعوني إلى حفل زفاف ابنها، فاستغربت، خصوصاً أنها تعتاش وعائلتها من مخصصات "أونروا" ووزارة الشؤون الاجتماعية. سألتها عن كيفية تدبيرها تكاليف الزواج، فقالت: أصبح عمره 18عاماً، وقد لمح ابنة الجيران فأحبها، وجاءني وقد حمل سكين المطبخ التي أفرم بها البصل، وصوبها نحو قلبه وهددني بالانتحار، إن لم يتزوجها، فقبلت سريعاً، واقترضت من هنا وهنا، وخصصت له غرفة في البيت ليتزوج فيها، والمهم أنه سيصبح له عائلة مستقلة بعد زواجه، بحسب قوانين "أونروا"، وستصرف له مخصصات عينية كل عدة أشهر.
أصدق مقولة أخرى، هي أن الحب الذي يبدأ سريعاً ينتهي سريعاً، فليس هناك، في هذه الأيام، حب مثل حب قيس بن الملوح حبيبته ليلى، وهو الذي ظل هائماً ينشد في حبها، ويشكو لواعج قلبه لرمال الصحراء، حتى فقد عقله، ووجد ميتاً بين الأحجار، وقد خط بإصبعه على الرمال بيتين من الشعر، أحدهما: توسد أحجار المهامة والفقر/ ومات جريح القلب مندمل الصدر.
ظلت غزة سبع ساعات في حالة تأهب وخوف، حتى أعلن عن ظهور العاشق المختفي، فتنفست الصعداء مع أولادي، مثل كل الناس المثخنين بجراح الحرب والحصار، وضحكنا عندما علمنا تفاصيل المسرحية الملفقة. وحين ثرثرت مع جاراتي حول حادثة الاختفاء المزعومة للمستوطن، تمنينا أن تتركه حبيبته، وتذهب إلى صديقه الذي اشترك في المؤامرة، كما حدث مع الفتاة التي تزوجت ساعي البريد الذي كان يوصل إليها، كل يوم، رسالة من حبيبها الغائب.


 

دلالات

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.