غارات التحالف ترمّم حاضنة "داعش" الشعبيّة

غارات التحالف ترمّم حاضنة "داعش" الشعبيّة

06 أكتوبر 2014
يسعى التنظيم إلى فتح معارك مع النظام (الأناضول)
+ الخط -
لم يتّبع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أي أسلوب لاستمالة حاضنته الشعبيّة المفترضة، من سكان المناطق التي يسيطر عليها، من أجل مواجهة "التحالف الدولي". تشير كلّ الأخبار الواردة من تلك المناطق إلى أنّ التنظيم أبقى على الأسلوب ذاته، الذي اتّبعه منذ بداية سيطرته على تلك المناطق، أي الأسلوب القائم على الترهيب وإخافة الناس من جبروته وأحكامه، التي يشعر من خلالها أي مواطن، أنّ رقبته معرّضة للقصّ في أيّ لحظة.
ولعل طبيعة التنظيم القائمة على الإقصاء المطلق لكلّ من يخالفه، تمنعه من اتباع أساليب لاستمالة الناس الذين يحكمهم، انطلاقاً من أنّ إيديولوجيا التنظيم قائمة على مبدأ أنّ كل الناس رعايا خاضعون لحكمه بتكليف إلهي. وبالتالي، يفترض أنّهم جميعاً مستتابون ومبايعون للتنظيم، وكلّ من يخالف تعاليمهم يُقام عليه الحدّ، وتعني البيعة الولاء المطلق. ولا يسمح التنظيم لنفسه أن يظهر بمظهر المهادن لرعيته، لأنّ أيّ أسلوب قد يتبعه في استمالة حاضنته الشعبيّة، يخالف إيديولوجية التنظيم ويظهره متساهلاً في تطبيق أحكام الله.

ولم يكتفِ تنظيم "داعش"، منذ بدء ضربات التحالف الدولي، بمحاولة الظهور أمام سكان المناطق التي يسيطر عليها، بمظهر اللامبالي بتلك الضربات فحسب، بل بات لديه مبرر أكبر لفرض جبروته على المدنيين وتوجيه تهم التعاون مع التحالف لكل من يشكّ بولائه.
وعلى الرغم من الطابع العام القائم على الترهيب، والذي اتّبعه تنظيم "داعش" في التعاطي مع المدنيين الخاضعين لسيطرته، لكنّ ذلك لم يمنعه من استخدام تكتيكات مختلفة معهم، بحسب طبيعة المنطقة وحجم الفصائل المسلّحة الموجودة فيها. فالتعاطي مع الناس في مدينة دير الزور، يختلف عن التعاطي معهم في ريف المحافظة، إذ بقيت في المدينة مجموعة من الفصائل لم تبايع التنظيم، لكنّها تنسّق معه في حصار المطار العسكري والأحياء الخاضعة لسيطرة النظام. وأدّى وجود هذه الفصائل إلى التخفيف من حدّة تعاطي التنظيم مع السكان، بخلاف ما هو الحال في الريف، حيث تعامل مع السكان بكلّ أساليب الترهيب، من قطع الرؤوس إلى التهجير.

أما في ريفيّ حلب الشمالي والشرقي، فلم يتردّد التنظيم، خلال الأيام القليلة الماضية، بقطع رؤوس مدنيين، بينهم أطفال في الساحات العامة بتهم الكفر والعمالة للتحالف والثوار، إذ أعدم يوم الثلاثاء الماضي، شابَين في الساحة العامة لمدينة تادف، بريف حلب، بتهمة سبّ الذات الإلهية، وأقدم، قبل يوم واحد، على إعدام طفلين في بلدة قباسين بريف حلب، بتهمة الكفر، يبلغ أحدهما 11 سنة والثاني 17 سنة.

ولا يزال التنظيم يستخدم الساحات العامة لتنفيذ أحكامه من أجل ترهيب السوريين. ففي ساحة الكرنك في مدينة منبج بريف حلب، نفذ التنظيم منذ أربعة أيام حكم الإعدام بحقّ شابين، أحدهما بتهمة الكفر والآخر بتهمة التعاون مع الثوار. وتشهد هذه الساحة في كل جمعة تنفيذ أحكام، باسم تطبيق حدود الله، من تقطيع أيدي ورؤوس، على مرأى من أعين الناس.

من جهة أخرى، يبدو أن الطريقة التي اتبعها التحالف في حربه ضدّ "داعش"، جعلت سكان المناطق الخاضعة لسيطرته، يشعرون بأنهم مستهدفون شأنهم شأن التنظيم، ذلك أنّ طائرات التحالف الدولي، وعلى الرغم من عدم استهدافها تجمّعات مدنية في مناطق سيطرة داعش، لكن بنك أهدافها لم يكن متوافقاً مع تصريحات قيادة الجيش الأميركي، التي بيّنت أنّ الضربات الجوية ستستهدف مقاتلي التنظيم ومعسكرات تدريبه ومقار قيادته وشاحناته ومركباته المدرعة. إذ استهدفت الضربات مراكز خدمية، كمراكز توزيع الوقود في محافظتي الرقة ودير الزور، وصوامع الحبوب في منبج بريف حلب، والتي أثرت بشكل مباشر على الوضع المعيشي للناس، نتيجة تضاعف أسعار الوقود وفقدان الخبز، الأمر الذي وحّد السكان مع التنظيم في مواجهة عدو مشترك، يقصف مصدر قوتهم ويزيد من أعبائهم، فضلاً عن الإحساس العام لدى سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم بأنّ أجندة التحالف لا تتوافق مع ما قامت عليه ثورتهم.

وعلى خلاف تعاطي التنظيم مع سكان المناطق التي يسيطر عليها، فقد استطاع استمالة العديد من الفصائل التي كانت محاربتها أولوية للتنظيم قبل بدء هجمات التحالف الدولي، وجرّها نحو التعاطف معه، وخصوصاً الفصائل ذات التوجّه الإسلامي، إذ لعب "داعش" على الوتر الديني بتصوير الحرب على أنّها حرب بين الإسلام والكفر، فأظهر بوادر حسن نيّة تجاه عدوه اللدود، جبهة النصرة، من خلال الإفراج عن نحو 300 معتقل لديه معظمهم من الجبهة، ومن خلال عقده اجتماعات سرية بين شرعيي التنظيم وشرعيي النصرة، أفضت إلى نوع من الهدنة غير المعلنة بين الطرفين. وأدى ذلك إلى شبه توقّف لجبهات القتال بينهم، كما أنّ تعاطي التحالف مع الفصائل التي كانت تحارب التنظيم، وتقسيمها بين قوى معتدلة وأخرى متشددة، من دون فرز واضح بينها، ساعد "داعش" على تبريد معظم جبهات القتال، بينها وبين فصائل المعارضة، وأعطاه فرصة للتقدم من خلال جبهات يختارها بنفسه، كجبهة عين العرب التي استطاع التقدم فيها خلال فترة تنفيذ التحالف ضرباته عليه. وتمكّن التنظيم من الوصول إلى مشارف مدينة عين العرب، على مسافة لا تتعدى بضع كليومترات، كما تمكن من التقدم في ريف حماة الشرقي، يوم الثلاثاء الماضي، وخاض معارك عنيفة مع القوات النظامية السورية، تمكّن خلالها من قتل عشرات العناصر والسيطرة على قرى رسم الغجية والمزاريع والزعبة وأم توينة.

ويبدو أن تنظيم داعش يسعى إلى فتح معارك مع القوات النظامية، ليظهر في خندق واحد مع قوى المعارضة، التي تسعى بالدرجة الأولى إلى إسقاط النظام، وبالتالي إحراج التحالف الدولي، الذي لم يضع النظام ضمن أولوياته. وكان التحالف بدأ شنّ غاراته ضد "داعش"، في وقت كان فيه الأخير يستعد لاقتحام مطار دير الزور العسكري، والسيطرة على الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام ضمن مدينة دير الزور، الأمر الذي قد يكسبه المزيد من التعاطف من قبل بعض فصائل المعارضة، خصوصاً تلك التي لم تعرف تصنيفها أميركيا بعد، أو تلك التي صُنّفت لاحقاً ضمن لائحة الإرهاب كـ"جيش المهاجرين والأنصار"، وحركة "شام الإسلام" المنضوين ضمن جبهة أنصار الدين. ومن المواقف التي تعكس نجاح التنظيم في كسب تعاطف فصائل المعارضة ضد التحالف، مبايعة الكتيبة الخضراء، قبل 3 أيام، لـ"جيش المهاجرين والأنصار، والتوحد معه على الرغم من تصنيفه من قبل الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي.
ويرجح أن ينجح "داعش" في تحييد المزيد من الفصائل، وحتى في استمالة الكثير من الأفراد للانضمام إلى صفوفه، ما لم يتّبع التحالف الدولي استراتيجية واضحة، تقوم على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد كأولويّة، بالتوازي مع أولوية القضاء على التنظيم المتطرف.

المساهمون