عن موسكو والمظلات

عن موسكو والمظلات

10 سبتمبر 2014

إيسلين - كيجل كارتونز

+ الخط -

عندما كان الاتحاد السوفييتي ما يزال قائما دولة عظمى، تتبنى الاشتراكية، وتقف على النقيض من العالم الرأسمالي، وفي مواجهته، مشكِّلةً معه قطبين أوحدين في العالم، كانت تلصق التهم بالمنتمين للأحزاب الشيوعية في دول العالم أنهم، بطريقة أو بأخرى، تابعون للاتحاد السوفييتي، على الأقل إيديولوجياً.

وكان الاتهام كفيلاً بإرسال صاحبه إلى السجن، وفي حالات معينة إلى الموت. ومن لم يكن يرسل إلى الموت، أو إلى السجن، كانت تكال له تهم بالتبعية، لتصبح تلك وصمة تلاحقه كيفما ولّى وجهه. ومن جهة ثانية، وتكريساً لتلك التهم، لاحقت أعضاء هذه الأحزاب عبارات مبطنة مثل: "إذا ما أمطرت السماء في موسكو، حمل الشيوعيون في دمشق المظلات"، وكانت عبارة تساق، أيضاً، في مصر والجزائر والعراق واليمن والسودان.

لا أعرف من أطلق العبارة. لكن، كان أعضاء الأحزاب الحاكمة في جمهوريات الوطن العربي الأكثر ترديداً لها. وكانوا يعيبون أعضاء الأحزاب الماركسية بها صبح مساء، كأنهم، بإطلاقها، سيهدمون بنيان تلك الأحزاب، لترسيخ بنيان أحزابهم على أنقاضها. والضعيف لا يرى لصعوده سبيلاً إلا على جثث الآخرين، وليسقط عندها التنافس، وليسقط التحالف أو التعايش.

وحين انهار الاتحاد السوفييتي، أوائل التسعينيات، وانهارت قبله منظومة الدول الاشتراكية، ابتهجوا وصفقوا ورقصوا وغمزوا من قناة الشيوعيين، وظهرت علامات التشفي والانتصار على خصمٍ، لا يمكنهم بزه سوى بهدم كيانه، خصوصاً أن أغلب تلك الأحزاب الحاكمة كانت ترفع الاشتراكية واحداً من أهدافها، وتجد في الأحزاب الشيوعية خصماً أزلياً لها. ها قد تحقق حلمهم بانهيار الاتحاد السوفييتي، داعم هذه الأحزاب، على الرغم من أنه كان يدعم حكومات تزج بالشيوعيين في السجون.

الآن، وبعد أن استفحلت الحالة السورية، وتجذرت الحرب في الأرض السورية أكثر فأكثر، حتى بدا أي حل، إن وجد له من يصوغه، بعيداً عن التحقيق، ولو حتى بعد أعوام، بعد ذلك كله عادت العبارة المذكورة، ولكن مع تغير حاملي المظلات، فهم الآن أعضاء حزب البعث الحاكم، يشاركهم بعض من كانوا أعضاء في الحزب الشيوعي الحليف له.

فالفريق الأول يحملها بسبب دعم روسيا النظام السوري، والثاني لأنه لا يريد أن يصدق أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليس شيوعياً وروسيا ليست اشتراكية، فما بالك إن قلت له إنه ممثل للرأسمال الروسي. فعلى هامش خطة عرضها بوتين لحل الأزمة في أوكرانيا، تضمنت نقاطاً سبعة أمِلَ بها التوصل إلى اتفاق نهائي بين كييف والمتمردين الموالين لروسيا، ظهرت تساؤلات حول سبب نأي روسيا، أو رئيسها، بنفسيهما عن أي مبادرةٍ لوقف الحرب في سورية، ضمن حل يضمن السلم وتحقيق مطالب الشعب السوري، أو أقله مطلب وقف سفك الدماء.

رداً على سؤال بالخصوص، طرحه معارض في موقع التواصل الاجتماعي، تنطع له موالٍ بدأ بهدوء يبرر غياب مبادرة كهذه، بسبب انشغال روسيا بمشكلاتها، وبسبب مؤامراتٍ تحاك عليها، لتحديها الغرب في موضوع دعم الجيش السوري. وذكر أن روسيا تملك بيدها أوراقاً تخص الملف السوري تدين الغرب، كفيلة حين تطرحها بجعل أمم العالم الغربي تتوافد إليها لكسب رضاها. لا أدري من أين استقى صديقنا هذه المعلومات.

ولا أدري لماذا لا تطرح روسيا أوراقها وتتحدّى العالم. وماذا تنتظر؟ وكيف يتقبل الموالون تأخرها؟ وتهلل صفحة الرجل لكل اختراع عسكري روسي، وللدبابات التي شاركت في مناورات عسكرية جرت، الشهر الماضي، وكذلك التي جرت شرق سيبيريا، وتظهر وكأنها اختراع سوري، وتحسبها وكأنها في طريقها للقضاء على "المؤامرة الكونية" في الأرض السورية. ولا تخلو الصفحة من تبرير عدم إنقاذ القوات السورية جنود مطار الطبقة، وقبله الفرقة 17 في الرقة وغيرها، الذين ذبحوا على أيدي مسلحي داعش، بسَوْقِ صاحبها تسويغاتٍ يحاول إلباسها ثوب الحقيقة والمنطق، بل والمسلمات التي تتناقض فيما بينها.

أتذكر، وأنا أتابع هذا الموضوع، هجوماً شنه عليَّ اثنان من خريجي الاتحاد السوفييتي، عاملان في الحقل الثقافي، حين انتقدتُ، في أثناء العدوان الإسرائيلي أخيراً على الشعب الفلسطيني، الرئيس الروسي بوتين، بسبب تعبيره لحاخامات يهود زاروه أواسط يوليو/تموز الماضي عن تأييده "نضال إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني. فما كان منهما إلا سوق الاتهامات والوعيد لكل من يتعرض لبوتين، لأنه لولاه لدمرت سورية، وكأن سورية لم تدمر بعد.

وفي إطار سعيهما إلى تبرير ما قام به بوتين، تماهى كل منهما مع شخصية هذا الرئيس، لتجريم انتقادي له، في محاولة لخلودهما إلى اطمئنانٍ، يبحثان عنه، فلا يجدانه سوى بهجوم غير مبرر وطرح موضوعٍ، يعاكس طرح الخصم، ولا يبت لموضوعه بصلة. وهو تناقض في عقل تبريري، لا يعزز تأكده إلا معرفتنا حقيقة أن أحدهما ممنوع من مغادرة البلاد.

46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.