عن فيرا لين التي غنّت للحرب العالمية الثانية

عن فيرا لين التي غنّت للحرب العالمية الثانية

16 فبراير 2015
فيرا لين في عام 1942 (Getty)
+ الخط -
بانتظار عودة الشبّان إلى منازلهم، يتخدر الوجع على الرغم من ازدياده، الأمهات اللواتي بكين على فراق الأحبة، ليذهب أحدهم ويقاتل في معركة لا يملك منها سوى العودة إلى المنزل منهكاً أو مريضاً أو لا يعود.

فيرا لين هي مغنية جاز بريطانية، كانت تغني في محطات القطار في وداع وعودة الجيش البريطاني. "سنلتقي مرة أخرى، لا أعلم بالمكان، ولا أعلم بالزمان، لكننا سنلتقي مرة أخرى خلال يوم مشمس". كانت تنتظر أحباءها وأهلها هناك، ولا تتحرك من المكان الذي ودّعتهم فيه قبل ذهابهم إلى الحرب.

ألهمت فيرا مئات الموسيقيين من خلال عذوبة وبساطة صوتها وجماليته. حتى إنّ "روجير واترز"، مغني وكاتب أغاني "بينك فلويد"، قام بإصدار واحدة من أجمل أغاني فرقة "بينك فلويد" البريطانية، وكان عنوانها "فيرا"، التي كتبها من أجلها، ووجّه الكلمات إليها رداً على ما غنّته سابقاً، قائلاً: "فيرا، فيرا، ما حلّ بكِ؟ أتذكرين كيف قلت إننا سنلتقي مرةً أخرى خلال يوم مشمس"؟



شاعرية الموقف في فيرا لين، إلهامٌ للحركات اليسارية التي كانت تدعمها، لكي تكمل فنها في خضم الظروف، فهم كانوا يعتبرونها أداتهم في الحظوظ بعالمٍ أفضل. ككل ظلال العالم التي تختفي قبل أن تسقط من أي عين تجاه الهاوية، انسحبت فيرا لين من دون أن تعدنا مرةً أخرى بأننا سنراها، من دون تحديد الزمان والمكان.

قد يكون عنصر المفاجأة مهماً في الحياة، كما هو مهمٌ أيضاً في تلك الموسيقى. فالجاز عبارة عن تنوعٌ في أنماط الارتجال بين عدة آلات. تستعمل فيرا لين عنصر الارتجال في صوتها وموسيقاها. تظهر كاملة الموهبة والجمال من دون تبرج، من دون تعرٍّ.

ألقت لين قصيدتها من خلال طبقات صوتية ونوتات، وأعلنت مغادرتها من الحياة التي نعلم بمضمونها أنّها في انتظار الجنود دائماً، كوالد "روجير واترز" الذي ذهب لمحاربة النازية ولم يعد، تاركاً وراءه الكثير من الذكريات.

في القرن الحادي والعشرين، في هذا القرن الذي فقد الكثير من معاني الحياة الجوهريّة، أشعر أنّي لست بخطرٍ، طالما أنّي أحظى برفاق يستمتعون معي بصوت فيرا لين الذي لم يعل ليصل إلى العلامة الكاملة من عالم الدعايات والمنتجات الضخمة.

وعلى عكس الكثيرين، فأنا لا أستمتع بصوت فيروز صباحاً، وأفضل فيرا لين التي تغني الجاز كما تغنيه فيروز، لكن مستوى الميلانكوليا أقل بكثير من الأسى في أغاني فيروز. وبانتظار الحروب، نغني إلى الحروب القادمة، وكما غنت فيرا لين في محطات القطار يوماً، وروجير واترز في أكبر حفلة لـ "بينك فلويد" في برلين.

بانتظار الإرسال والرد، نتراسل أغاني تسعد المرء نهاراً، ولكنّها تقوده إلى التفكير في إمكانيّة وصول الرجل إلى مستوى من الأسى حين يمسك بيد إحداهن، متمنياً ألا يجرحها: "سنلتقي يوماً، لا أعلم أين وكيف ولا أعلم بالزمان، لكننا سنلتقي خلال يوم مشمس".

المساهمون