عن تهمة "التجارة بالدم"

عن تهمة "التجارة بالدم"

11 نوفمبر 2018
+ الخط -
ما إن وصلت المنحة القطرية إلى قطاع غزة، وبدأ بعض الموظفين في الحصول على أجزاء من رواتبهم، ومع تسريب المعلومات عن شبه اتفاق بين حركة حماس وإسرائيل على تهدئةٍ مرحليةٍ، ووقف مسيرات العودة، خرجت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) بمقال رأي، تهاجم فيه التطورات التي يشهدها القطاع رامية تهمة "المتاجرة بدماء شعبنا"، رابطةً بين وصول الـ 15 مليون دولار إلى القطاع والتهدئة، وهو ما نفاه مسؤول "حماس" في غزة، يحيى السنوار، مؤكداً أن لا علاقة بين الأموال القطرية واتفاق التهدئة مع الاحتلال.
بغض النظر عن نفي السنوار، كان مقال "وفا" لافتاً إلى عمق الأزمة التي يعيشها الفلسطينيون على المستوى السياسي، وإلى تجذّر الانقسام الذي لا يبدو أنه في طريقه إلى النهاية، بل إنه دخل في مرحلة تصعيد جديدة عنوانها "المتاجرة بالدم"، وهي تهمةٌ لا يمكن اقتصار توجيهها إلى حركة حماس، في حال تم اعتبار أن التجييش لمسيرات العودة وسقوط عشرات الشهداء خلال الأشهر الماضية هو جزء من المساومة التي تقوم بها الحركة، لتحسين شروط اتفاق التهدئة. كلام سبق أن قيل وكتب في أكثر من مناسبة، مع مطالباتٍ كثيرةٍ بإنهاء المسيرات ووقف الموت المجاني للفلسطينيين على حدود قطاع غزة. دعواتٌ لا تزال "حماس" ترفض الاستجابة لها، وهو ما أكده أيضاً السنوار في تصريحه أول من أمس، مشيراً إلى أن المسيرات مستمرة، ولا ربط بينها وبين الأموال التي دخلت قطاع غزة، وذلك في ما يبدو رداً مباشراً على مقال وكالة وفا التي أحصت سقوط أكثر من 220 شهيدًا، بينهم 43 طفلاً ونحو 25 ألف جريح منذ انطلاق فعاليات "مسيرات العودة" في 30 مارس/ آذار الماضي.
غير أن اللافت أن الاتهامات تأتي من وكالة رسمية تمثل السلطة الفلسطينية بالدرجة الأولى، وحركة فتح بالدرجة الثانية. وكان للاثنتين نصيب غير قليل أيضاً من تهم المتاجرة بالدم الفلسطيني. ويمكن إدراج التنسيق الأمني القائم منذ زمن بين السلطة وإسرائيل ضمن هذه المتاجرة، فكم شاب فلسطيني تم اعتقاله أو تصفيته من قوات الاحتلال بسبب هذا التنسيق الأمني، والذي يمكن ربطه، بشكل غير مباشر، بحساباتٍ اقتصادية للسلطة، على غرار تحويل أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل في مناطق الضفة الغربية غير الخاضعة للسلطة. وفق هذه الحسابات، يمكن إدراج العلاقة الأمنية بين السلطة وإسرائيل ضمن "المتاجرة بدماء شعبنا"، وهي العبارة التي أوردتها "وفا". ويمكن العودة بالزمن إلى الوراء، لقياس استغلال حركة فتح ومنظمة التحرير أحداث الانتفاضة الأولى لتحسين شروط التفاوض قبل "أوسلو"، والعمل على تنظيم الانتفاضة الثانية لتحسين شروط التفاوض أيضاً بعد فشل مباحثات كامب ديفيد وطابا.
لا تقف تهم المتاجرة بالدم الفلسطيني عند السلطة أو فصيلي فتح وحماس، إذ يمكن إسقاطها على غالبية الفصائل التي عرفتها الحركة الثورية الفلسطينية على مدار العقود الماضية. يمكن إدراج الجبهة الشعبية - القيادة العامة، بزعامة أحمد جبريل، مثالا على استغلال الدم الفلسطيني، إذ إنها زجّت، ولا تزال، الفلسطينيين في أتون الحرب السورية، بعدما وقفت بعناصرها إلى جانب نظام بشار الأسد في حربه ضد شعبه. ولا تقف التهمة عند حدود الداخل الفلسطيني، بل يمكن تعميمها عربياً وإقليمياً، إذ عمدت مختلف الأنظمة إلى استغلال الفلسطينيين وقضيتهم في صراعاتها، ويأتي النظامان، السوري والإيراني، في مقدمة هؤلاء.
وبين كل هؤلاء التجار، يبقى الفرد الفلسطيني وحده الذي يدفع الثمن من حياته وقوته، غير أنه لا يحصد سوى الخيبات.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".