عن تحالف "التقدم والاشتراكية" و"العدالة والتنمية"

عن تحالف "التقدم والاشتراكية" و"العدالة والتنمية"

06 ديسمبر 2014
+ الخط -

ما من شك في أن اللجنة المكلفة بإعداد وثيقة المشروع السياسي لمؤتمر حزب التقدم والاشتراكية، أخيرا، قد تكون "تعذبت" نسبياً، وهي تقدم على صياغة الفقرة الخاصة بمسألة التحالفات، حيث كان عليها أن تأخذ الاحتياط اللازم في هذه المسألة، حتى تعكس الوثيقة السياسية حقيقة الممارسة الفعلية التي أقدم عليها حزب الكتاب، من حيث اختياره التحالف مع حزب عادة ما كان ينعته بالحزب المحافظ، في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية، والذي ارتضى أن يقتسم معه دفة التسيير الحكومي.

هذا الإجراء المتسم بنوع من المفاجأة، لكون تحالفات حزب التقدم والاشتراكية، عادة، ما سطر لها الحزب بأن تكون من داخل الوسط "اليساري التقدمي الحداثي"، غير أنه، وبحكم الطابع الاستثنائي للمرحلة، وبإعمال الحزب ما سماها "بالمقاربة الشمولية" في التحليل، فقد اختار الحزب تحيين مقولاته، والتدقيق في تحالفاته، كما أن التحالف الذي تم التوسل به ما هو في المحصلة إلا تحـــالف من أجل إنجاز برنامج "لا أقل ولا أكثر"، نوع من التحالف التدبيري، كما فضل أن يسمي ذلك أحد قياديي الحزب، في إشارة إلى خالد الناصري، وليس تحالف إيديولوجي، ولكون الحزب، عبر هذا التحالف، لم يفقد الوضوء، ولم يفقد أي ركعة من ركعات مبادئه وقناعاته الإيديولوجية، كما سبق، وأن أشار إلى ذلك الرفيق بنعبد الله، على أن الحزب، ومن خلال هذا الإجراء، قد يكون تحول إلى "مناضل تقدمي"، من داخل الائتلاف الحكومي، بحكم أن بطاقة العضوية التي بين يديه سوف تسعفه، لكي يكون في وضعية الدفــــــاع المستميث عن القيم التقدمية الحداثية، وسوف يضطلع بأمر مراقبة الأداء الحكومي من أي زيغ في المواضيع الشائكة التي يحرص اليسار، عموماً، على دعمها وترسيخها، كما هو الحال في قضايا الحريات والمرأة، وهي المهمة التي عادة ما يحرص الحزب على التأكيد عليها، كلما تم الإتيان على ذكر مســـألة التحالف.

إذا كان الجديد في نسخة الربيع العربي في المغرب تولي حزب العدالة والتنمية دفة التسيير الحكومي، بعد إقرار تغييرات عديدة في المناخ السياسي العام، وتم ذلك من منطلق رغبته في مباشرة الإصلاح، في ظل الاستقرار، فإن "جديد الحكومة" هو دخول حزب التقدم والاشتراكية إلى ناديها، بالاستعانة بالمنطلق نفسه، عبر مقولة الحفاظ على الاستقرار والمصلحة العليا للوطن، ومع أن مبادرة الالتحاق بركب الحكومة لم تكن أمراً هيناً، إلا أن قبول حزب الاستقلال للالتحاق بالركب الحكومي كان قد خفف على الحزب اليساري الضربة، نسبياً، بحكم كونه لم يكن وحيدا وكانت بحوزته بعض وسائل المحاججة.

إذا كان حزب العدالة والتنمية قد بدا، ومنذ البداية، واضحاً في مسألة نسج التحالفات المستقبلية للحزب، حيث لم يكن الحزب الإسلامي يمل من تكرار أن ميله في "هذه القضية" يتجه نحو الأحزاب التي يفضل أن ينعتها بالأحزاب المناضلة، وذات الامتداد الشعبي، حتى يكون في وسعه أن يكمل معها ما كانت قد ابتدأته من ورش ومشاريع، وإلى أن الموضوعية تقتضي المجاهرة بالقول إن جزءاً كبيراً من أنصار هذا الحزب كانوا مع هذا التوجه، لكونهم كانوا قد حسموا مبكراً في مسألة "فصل التحالف عن الاعتبار الإيديولوجي"، ولكونهم كانوا يدركون حقيقة العزلة التي يعيش على وقعها حزبهم، وحاجته إلى نوع من الانفراج، إذ كان يشكل تقريبا الاستثناء، من حيث عدم تمكنه من الاصطفاف، تحت لواء أي قطب من الأقطاب التي كانت قد تشكلت قبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة، كتقنية لجأت إليها هذه الأحزاب، لكي تتقوى ببعضها، وحتى يكون بمقدورها أن تنافس الحزب الإسلامي الذي كان يمتلك كل مواصفات الخصم العنيد، والفارس المقدام الذي سيتصدر لا محالة لائحة النتائج.
على النقيض من ذلك، كان حزب التقدم والاشتراكية يطور مفاهيمه، في اتجاه أن يبقى لصيقا بأحد مصادر قوته، من حيث تشبثه بالكتلة الديمقراطية، على أن أجواء الربيع العربي والإرث السلبي للأداء الحكومي السابق، والنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات، دفعت الحزب لعدم التسرع في الرد على سياسة اليد الممدودة التي بادله إياها العدالة والتنمية، وربما يكون قد تفطن الحزب اليساري إلى دقة المرحلة، وإلى أن التاريخ آخذ في الانعراج، في اتجاه مغاير صوب الأحزاب، ذات التوجهات الإسلامية، كما كان يحصل وقتها في تونس ومصر، ما دفعه ربما إلى رفع "كل التحفظات"، واختار مجاراة الريح في مسارها، ولعدم اتباع الموقف الذي ارتضاه حزب الاتحاد الاشتراكي الذي فضل تضميد جراحه بعد الضربات الموجعة التي تلقاها من الناخبين.  

ربما يكون الحزبان معا قد حققا نقاطاً إيجابية في رصيدهما من هذا التحالف، فحزب التقدم والاشتراكية ربح ترويج اسمه، فالكل بات يبحث عن هذا الحزب الشيوعي الذي تحالف مع الإسلاميين في المغرب، ويشهد له بأنه، من داخل الرقعة العربية، كان سباقاً إلى القيام بالمراجعات اللازمة، والتي أفضت به إلى ترك المقولات اليسارية الغليظة جانبا، وأقدم على معانقة حزب محافظ، كما أنه ربح ثقــة حزب كبير من شاكلة حزب العدالة والتنمية الذي لا يمكن له نسيان حسن صنيعة الحزب اليساري، وما قد يكون أسداه إليه، وقت الشدة، خصوصاً في اللحظة التي غادر فيها حزب الاستقلال لسفينة الحكومة. وبإمكاننا أن نزيد على الأمر بالقول إن السلطة ربمـــا تكون، هي الأخرى، خرجت راضية عن الحزب، لكونه ســـاهم معها، بطريقته، في إنجاح محطــةٍ، ربما كانت في أمس الحاجة إليها هي الأخرى، على الأقل حتى تمر الفترة العصيبة التي ميزت تلكم الفترة.

حزب العدالة والتنمية ربح تسويق اعتداله "المشكوك فيه"، إذ بدا وكأنه قادر على التعايش حتى مع التيارات الشيوعية، فلا خوف على الحزب، هذه المرة، من المقولات التي لها علاقة بالهيمنة والتسلط وقلب الطاولة. ربح احترامه القيم الكبرى، ودليله على ذلك حزب التقدم والاشتراكية الذي انتدب نفسه من داخل الجهاز الحكومي، لخدمة هذه المهمة راعياً القيم وحامياً للحريات، كما استطاع إحداث الانفراج لنفسه، من حيث أنه أخرج نفسه من عنق الزجاجة، سواء بالانفتاح عموديا على السلطة، وأفقيا من حيث كونه أوجد لنفسه حلفاء جدداً من داخل المشهد السياسي الوطني.

إذا كانت هذه بعض حسابات الربح والخسارة، ترى، ماذا فعل الحزبان في الزاوية المرتبطة بطبيعة المهمة التي انتخبا، أصلاً، من أجلها؟ هل استطاعا كسب رضى رجل الشارع؟

avata
avata
سعيد الزغوطي (المغرب)
سعيد الزغوطي (المغرب)