عن العنصرية في لبنان

23 يوليو 2019
+ الخط -
يتصاعد الخطاب العنصري اللبناني، في الآونة الأخيرة، تجاه اللاجئين عموما، مستتراً خلف خطاباتٍ تدّعي حماية الوطن والمواطن اللبناني، خصوصا في المرحلة التي أعقبت تمكّن حزب الله من التحكّم بالدولة ومؤسساتها، بما فيه من فرض العماد ميشيل عون رئيسا للجمهورية، وتشكيل الحكومة وفق رغبات الحزب ورؤاه. حتى أضحى الحزب بمثابة الحاكم الفعلي للبنان، وهو ما يحمّله مسؤولية هذه الممارسات والخطاب العنصري تجاه الآخر، السوري والفلسطيني خصوصاً.
لذا قد نتمكن من فهم بعض أوجه هذا الخطاب والممارسة، انطلاقا من تحالفات الحزب وتوجهاته السياسية والعلنية، خصوصا تجاه السوريين الذين يرغب الحزب في إجبارهم على العودة إلى سورية فورا ومن دون أي شروط، فارضا عليهم شروط استسلام كاملة لصالح النظام السوري وأجهزته الأمنية، وغير عابئ بالمصير الأسود الذي قد ينتظرهم، سواء كان لهم أنشطة معارضة لحكم الأسد، أو كونهم ينحدرون من المناطق التي ثارت على النظام. وهو ما ينسجم مع مجمل ممارسات الحزب الإجرامية في الداخل السوري، والتي أفضت إلى قتل جزء كبير من السوريين وتشريدهم عن سابق إصرار وترصد. في المقابل، قد يعتقد بعضهم أن تمادي الخطاب العنصري اللبناني تجاه اللاجئين الفلسطينيين يضعه على صدام مباشر مع خطاب حزب الله السياسي والإعلامي.
في كل الأحوال، للخطاب العنصري اللبناني جذور تاريخية، تتجسد في حصار اللاجئين بمخيمات معزولة كالسجون، وفرض قيود صارمة على متابعة التعليم العالي، والحؤول دون الاندماج الكامل في سوق العمل، إذ يمنع الفلسطيني من مزاولة قرابة سبعين مهنة. وهو ما تتحمل مسؤوليته جميع القوى الطائفية، وفي مقدمتها حزب الله الذي كان يفوض حلفاءه الطائفيين والسياسيين، كحركة أمل وتيار المستقبل بزعامة رفيق الحريري، إدارة شؤون الحكم
 بدلا منه، ما يؤكد أن صمت الحزب على هذه الممارسات بمثابة مشاركة عملية فيها.
وينطلق الخطاب العنصري اللبناني من تحميل اللاجئين عموما مسؤولية تدهور الأوضاع اللبنانية، من انتشار الأوبئة، إلى ارتفاع نسب البطالة وتزايد أعداد اللبنانيين المهاجرين، مروراً بالفساد وأزمة الخدمات، وربما تراكم النفايات، وصولا إلى اعتبار اللاجئ خطراً يهدد السلم الأهلي القائم على توازنات طائفية ودينية محددة. على أمل أن ينجح هذا الخطاب المدان في حرف أنظار اللبنانيين عن مسؤولية جميع الأحزاب والقوى الطائفية المتحكّمة في مصير لبنان منذ عشرات السنين، جاعلين من اللاجئين الشماعة التي يعلقون عليها خيباتهم وفسادهم وفشلهم، خوفا من مواجهة موجات الغضب اللبنانية التي شهدنا بعض فصولها في الأشهر والسنين الماضية. الهدف هو التستر على مسؤولية النافذين أشخاصا ومؤسسات وقوى حزبية، ومن ضمنها حزب الله الذي كان قادرا، في الماضي القريب، على تلبية متطلبات حاضنته الاجتماعية استنادا إلى حجم التمويل الإيراني الضخم، والذي يبدو أنه بدأ يقل نتيجة العقوبات الاقتصادية الأميركية، وبحكم تزايد المصارف الإيرانية الخارجية، خصوصا في سورية واليمن، وذلك وفق تسريبات إعلامية مستمدة من بعض التغييرات في سياسات الحزب الاجتماعية داخل مناطق سيطرته، وهو ما يدفع جمهوره إلى البحث عن أسباب معاناتهم، ما يضع الحزب في قفص 
الاتهام كسائر القوى السياسية والطائفية اللبنانية الفاعلة داخليا.
هل يمكن للاجئين الفلسطينيين أو السوريين التصدي ومواجهة هذه العنصرية من دون المس بحقوقهم وكرامتهم وسلامتهم؟ لا توجد ضمانات، غير أن ثمة مسلماتٍ يمكن البناء عليها حاضراً ومستقبلاً، أهمها أننا أمام ظاهرة عنصرية في لبنان، ولسنا أمام عنصرية لبنان، فالمجتمع اللبناني الاجتماعي والثقافي والحقوقي يقدم يوميا نماذج ساطعة في مواجهة هذا الخطاب البغيض والكاذب، من مثقفين وإعلاميين وناشطين سياسيين غير طائفيين، إلى فلاحين وعمال وأصحاب مهن حرة، وعديد من تنويعات البنية الاجتماعية والاقتصادية، وهم في غالبيتهم ممن يزدرون خطاب القوى الطائفية المسيطرة في لبنان، ويحمّلونها مسؤولية الأوضاع الراهنة. وبالتالي، هم يمثلون بإنسانيتهم ووطنيتهم وعقلانيتهم الحلف الرئيسي، وربما الأوحد، للاجئين عموما، ولقضاياهم العادلة، المعيشية منها والسياسية والوطنية.
كما يمكن النضال من أجل الحقوق الكاملة، بدلا من تحويل النضال إلى مجرد رد فعل سريع على قرار وزارة العمل مثلا، أو على أحد تصريحات وزير الخارجية اللبنانية المشهور بتصريحاته، غير المنطقية وغير الصحيحة، أو على انتهاك جزئي أو شامل للاجئين عموما أو فئة منهم، لأننا نعمل بذلك أولاً على تأسيس فعل نضالي طويل ومستمر، مشروع قانونيا وإنسانيا، صادق وواضح سياسيا، يمكن أن يجتمع حوله أشخاص كثيرون داخل لبنان وخارجه، ما يخرج المعركة من حقل التجاذب السياسي والإعلامي بشأن مسألة محددة أو جزئية صغيرة 
إلى ملف كامل ومتكامل يصعب القفز عنه. وثانيا، نحن بذلك نبني جدار حماية مستقبليا، يقي أي لاجئ من مثل هذه الانتهاكات، بدلاً من أن يتحوّل صمتنا عن الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين إلى وسيلةٍ من أجل مزيد من الانتهاك بحق اللاجئين الفلسطينيين مستقبلا، والعكس صحيح.
للاجئ الفلسطيني خصوصية دولية تتحدد بحق العودة ومسؤولية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عنه يجب الحفاظ عليها من دون أن نتوهم أن وضع اللاجئ الفلسطيني في لبنان أفضل من وضع نظيره السوري قانونيا وسياسيا واجتماعيا، نتيجة غياب الإرادة السياسية والبنية القانونية اللبنانية التي تحمي اللاجئ عموما، فقد يتمكن اللاجئ الفلسطيني اليوم من ثني وزارة العمل عن إلزام الفلسطيني بالحصول على تصريح أو موافقة العمل، نتيجة قوة الاحتجاجات وقوة تأثيرها على الاقتصاد اللبناني، وبفعل التضامن الواسع من شرائح لبنانية تجارية واسعة، ذات تأثير على الحياة الاقتصادية اللبنانية، إلا أنه انتصار خادع، لا يضمن حقوقه مستقبلا، ما لم يتحول إلى قانون نافذ وشامل، يحدد علاقة الدولة مع اللاجئين في جميع نواحي الحياة، ويراعي الخصوصية الفلسطينية تحديداً.
75812723-2689-4553-B56D-72CE271905DB
حيّان جابر
كاتب فلسطيني، مشارك في إعداد ملحق فلسطين.