عن الجزائر بمناسبة "ندوة زيرالدة"

عن الجزائر بمناسبة "ندوة زيرالدة"

14 يونيو 2014
+ الخط -

في مؤتمر الصومام التاريخي، في 20 أغسطس/آب 1956، في غابة أكفادو، قرب بجاية، وُضعت أول مرة خريطة الطريق التي جمعت كل ما تشتت تحت مسمى ثورة 1954. وسعت إلى وضع الأسس لعلاقة تكاملية بين الأداءين، العسكري والسياسي، للثورة الجزائرية، رغماً عما عكسته عمليات جيش التحرير الوطني، بدءاً من 20 أغسطس/آب 1955، من تنظيم جغرافي وزمني دقيق، فإن هيكلة الثورة، بتحديد الأهداف، وتوحيد الجهود، وتقييم المقدرات واستشراف المستقبل، لم تكن قد جاوزت مستوى الرؤى النظرية، المتبادلة بين القيادات التاريخية للثورة. لكن، في ذلك المؤتمر، برزت، ربما لأول مرة، الحاجة الماسة إلى تقوية الفعل السياسي، حتى يجعل الثورة عقيدة كل فئات الشعب، وليس القيادات العسكرية فقط، أو المنخرطين فيها مباشرة.
من أبرز ما جاء في البرنامج المنبثق عن "الصومام"، ما مفاده "ليست الغاية التي تهدف إليها الثورة الوطنية، التي بدأت في 1 نوفمبر 1954، هي استقلال الوطن فحسب. بل أيضاً تأسيس جمهورية ديمقراطية واجتماعية، يستطيع أن يعيش فيها كل جزائري عيشة كريمة، يسودها العدل والإنصاف. لذلك، يجب، من الآن، أن نُروّض أنفسنا على الخصال المطلوبة للانتقال بسهولة من حالتنا الحاضرة، حالة الحرب، إلى حالة البناء والتعمير". هذه الجزائر وُلدت حقاً، لكن سرعان ما وأدها الانقلابيون، من قادة جيش الحدود، أو ما تسمى جماعة وجدة، لكن أمل الشعب الجزائري كان قد ترسخ، لاستعادة الدولة التي حلموا بها، واستشهد من أجلها مئات آلاف المجاهدين، إضافة إلى ما تحمله عامة الشعب. فمن قال إن صناعة الرؤساء، في الجزائر، معادلة تفك مجاهلها الانتخابات فقط، كان على الدوام ما يفاجئنا ببروزه ضمن هذه المعادلة، لظروف داخلية، أو محددات خارجية، كأن هناك رياح ليلة، تقول للجزائريين، إن جزائر أخرى قادمة من خارج الحدود، فلا تتعبوا نفوسكم في شواهق الأوراس.
لا تزال دولة الخارج الجزائري قائمة؛ ولأنها من خارج الشرعية، فلا شرعية لها غير الاستبداد المسلح، ولمهارتها في الانقلاب على أخوة الدم والسلاح، فإنه من السَهل عليها الانقلاب حتى على الجزائر بأكمله. اليوم ما أشد الشبه بين الوضع الصحي للرئيس، المرغم على الرئاسة، عبد العزيز بوتفليقة، والنظام الجزائري الحالي، الذي انتهى مُقْعدا وأعمى وأصَمَّ، خارج كل أبعاد الزمن الحديث، وداخل الاستبداد القروسطي المقيت. نظام يجلس على كرسي ثابت، والشعب من حوله يمور، لكن لا بد له من أن يدنو من الكرسي، كما فعل الجن بكرسي نبي الله سليمان، ليكتشف أن الأَرَضَةَ نخرت قوائمه، وأن الجالس عليه بَارِد كقطعة ثلج.
في هذا الوقت، أمامنا قيادات أخرى تستعيد مبادرة الصومام، تحت مسمى ندوة زيرالدة في العاصمة الجزائر في 10 يونيو/حزيران 2014، لكن، حتى لو كانت الندوة مجرد تداول أولي في سبل النضال، من أجل تغيير النظام، فإن أهميتها تكمن في استنادها تاريخياً، ورمزياً، إلى مؤتمر الصومام. إذ لم يحدث، منذ استقلال الجزائر، أن تنادت كل تيارات المعارضة، ولاحقا الأحزاب، إلى أرضية سياسية توافقية واحدة، تحت عنوان عريض جامع للجميع. وتكمن أهميتها، أيضاً، في كونها على بينة من فاجعة الرئاسيات الأخيرة، والتي تأسست على تلاعب فاضح بدستور البلاد، لقهر الشعب الجزائري، وتركيعه عسكريا، من وراء حجابِ يسمى رئيس جمهورية.
من عظيم الأهمية، أيضاً، أن تنعقد الندوة، في ظل محاولات الجماعة الحاكمة، جر الشعب الممتنع عن التصويت، وقادة المعارضة، إلى نقاش لتعديل الدستور، بعد أن امتطوا الدستور ليدخلوا أسوار قلعة المؤسسة الرئاسية. يظهر جلياً، من تحليل مداخلات الفرقاء، من كل المشارب، أن كل العناصر والشروط اللازمة لتشكل جبهة وطنية معارضة، موحدة وقوية، متوفرة الآن. لعل هذا هو الفضل الوحيد والكبير الذي صنعه جنرالات الجزائر الساديون، وهم يحولون الجزائر إلى عبادة الأوثان، مغفلين أن الدولة الحديثة المستقرة لا تبنى على ثراء الغاز والسياحة الأجنبية، بل ليس لها من ثراء، سوى ثراء الوطنية والانتماء المحب للجزائر ومستقبل شعبه فيه.

6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)