عن الإستراتيجية الأميركية

12 يناير 2017
+ الخط -
في البداية، علينا التعرّف على ماهية الاقتراب الافتراضي في علم الاستراتيجية، والتي تعرّف بأنّها تلك الأنواع من الملامح الافتراضية والتصوّرات الرقمية لمشهدٍ ما أو لوضع معين، حيث يبنى هذا الاقتراب على تصوّرات ذهنية، غالباً ما تفتقد إلى مشاهد ملموسة من الواقع السائد. وبالتالي، فإن رسم الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط تقوم على نوع من الوسائل كهذا، من أجل تحديد الأهداف والوسائل وتقييم البيئة الاستراتيجية للمنطقة، إذ تقوم دوائر رسم الاستراتيجية لدى الولايات المتحدة بالاعتماد على أساس اقترابات افتراضية، تنطلق من المراكز البحثية، والتي عالباُ ما تبني تصوّراتها على أساس طريقة حوسبة البيئة الاستراتيجية، ورصد المجسّات السياسية واستطلاعات ومؤشرات تفتقد إلى الدقة، والذي أدى بها إلى فقدان المعاصرة والمعايشة لأحداث البيئة الاستراتيجية في الشرق الأوسط وحيثياتها.
وبالتالي، غالباً ما يتم وقوع تداعيات سلبية على المنطقة، وعلى الاستراتيجية الأميركية، فالشرق الأوسط اليوم يعاني من تداعيات الاستراتيجية التي بنيت على أساس افتراضي بعيد عن الواقع الملموس، فالفراغ الأمني السائد في المنطقة يمثل إحدى تداعيات الإستراتيجية الأميركية المتعثرة هناك. بالإضافة إلى فقدان المنطقة بنيتها التوازنية نتيجة الحروب الأميركية غير المحسوبة على العراق وأفغانستان، والتي خلّفت انقسامات مجتمعية وإقليمية أثرت على استقرار السياسة الدولية للمنطقة، فضلاً عن التقهقر الأميركي الذي كان أحد أسبابه هو البناء التصوّري للأهداف الأميركية، والتي كان من تداعياتها الفوضى الإقليمية وصراع الأقطاب الدولية المشتعل في الشرق الأوسط.
وتضع إدارة ترامب في سلّم أولوياتها التغيير في الهيكل التنظيمي لبناء استراتيجية أكثر فعاليةً، مع العمل على ضرورة الابتعاد عن نظرية الاقتراب الافتراضي، لتحديد الأهداف والأولويات والوسائل والتركيز على نظرية الاقتراب المباشر الملموس لرسم أهداف ووسائل ترتكز على ملامح واقعية، تلمس الأرضية السائدة للبيئة الإقليمية، من خلال تعميق وجودها الاستراتيجي الذي يرتكز على دراسات ميدانية (غير مكتبية)، وتلاحم فكري يتطابق مع ما يدور حولها.
وانطلاقاً من الانقلاب الاستراتيجي الذي يضرب الشرق الأوسط، نتيجة التعثرات التي أحيطت بالاستراتيجية الأميركية المتّبعة، يمكن القول إنّ الولايات المتحدة في طور تقييم استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما وجورج بوش الابن، حيث عانت، في حقبتهما، تقهقراً على الصعيد الاستراتيجي الدولي والإقليمي، وفي ما يخص المنطقة، حيث مسّت المصالح الأميركية من ناحية ومصالح الدول الإقليمية من ناحية أخرى.
وأخيراً، يمكن القول إنّ واحدةً من ركائز التقهقر الأميركية في المنطقة اتباع أسلوب الاقتراب الافتراضي البعيد عن تحديد الأولويات والوسائل، والذي شكّل بدوره شرخاً كبيراً ما بين الوسائل والأهداف، بالإضافة إلى صعوبة تقييم التحديات المحيطة بها، ومن خلال مراجعة سلسلة التغيرات للرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، يمكن قراءة ملامح صنع الاستراتيجية الأميركية التي تتجه صوب أسلوب الاقتراب المباشر، ومعايشة البيئة الاستراتيجية للأحداث والمجريات الإقليمية.
C14B20FB-4FFC-43B5-A593-E40D59541FCE
C14B20FB-4FFC-43B5-A593-E40D59541FCE
علي زياد (العراق)
علي زياد (العراق)