ترامب والبراغماتية المتوحشة

05 فبراير 2017
+ الخط -
ذهل العالم من إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، بفوز المرشح الجمهوري الشعبوي، دونالد ترامب، ذو التوجهات اليمينية، والتي يمكن أن توصف، أحياناً، بالمتطرّفة، فقبل الانتخابات الأميركية، أعلن ترامب شعارات ووعوداً انتخابية ذات توجهات داخلية، تحث على انتقاد إدارة باراك أوباما بالتعليق على السياسات الداخلية التي أدت إلى المشكلات التي نجم عنها التراجع في المواقف الأميركية على الصعيدين، الدولي والاقتصادي، وحتى الأمني.
من أهم الأسباب التي دفعت الشعب إلى انتخاب ترامب هي الحالة الاجتماعية والسياسية المشحونة لليمين، فضلاً عن عجز الديمقراطيين والجمهوريين عن تقديم حلول للمشكلات السائدة في الداخل الأميركي، بالإضافة إلى سطوع نجم العنصرية البيضاء، والتي بدأت الانتشار في الأوساط الشعبية لدى المجتمع الأميركي. هذا على الصعيد الداخلي. أما على الصعيد الخارجي، فهناك الأزمات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالعالم، بالإضافة إلى مشكلات الشرق الأوسط والمسلمين، والتي خلّفت آثاراً كبيرة على الرأي العام الداخلي في الولايات المتحدة.
على صعيد السياسة الخارجية والاستراتيجية لإدارة ترامب، والتي يمكن توصيفها بالبراغماتية المتوحشة، حيث الأساس القائم على هذه الاستراتيجية يبنى على أساس أميركا أولاً، بمعنى تحقيق المصالح الأميركية بالمرتبة الأولى، حتى لو كانت على حساب مصالح دول صديقة لها، بالإضافة إلى تصحيح التبعثر الأميركي، والذي نجم عن إرهاصات إدارة أوباما المتردّدة على صعيد الملفات الخارجية، كأزمات الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا والموقف الأميركي من الصين، والتي خلّفت بدورها تراجعاً استراتيجياً كبيراً للدور الأميركي في العالم.
تدرك إدارة ترامب اليوم جيدا الموقف الأميركي المحرج، حيث تتجه نحو النفعية المتوحشة، والتي تفضي إلى الاهتمام بالمصالح الضيقة وضرورة الابتعاد عن البذخ في استخدام القوة والتفوق الأميركي، بمعنى ترميم التصدعات الداخلية وتعضيد القوة العسكرية، فضلاً عن التفاوض مع الحلفاء التقليديين، كالقوى الخليجية ودول شرق أوروبا وآسيا، على جملة تفصيلات، أولها ضرورة تحمّل الأعباء المالية مقابل الحماية الأميركية .
ويمكن إجمال أهم الملامح المستقبلية للاستراتيجية الأميركية، والتي سترتسم ملامحها من خلال التوجهات الجديدة التي تعوّل على الاستخدام الافتراضي للقوة وتعضيد الأمن السيبراني، وتجنب المستنقعات الاستراتيجية في إدارة الصراعات الدولية، والنفعية الانتقائية في التعاملات الخارجية، ليس فقط مع فئة الأعداء، مثل روسيا والصين، ولكن حتى مع فئة الحلفاء.
تسير الولايات المتحدة نحو التحالفات وتجديدها بشروط مالية كبيرة، تحت المظلة الأميركية، من خلال حث هذه القوى على تحمّل مسؤوليتها الأمنية حيال حدودها وأمنها الإقليمي، حيث دعا ترامب القوى الأوروبية إلى الاعتماد على النفس في مواجهة روسيا، كما دعا القوى الخليجية إلى توفير الحماية مقابل نفقات مالية.
وأخيراً، يمكن القول إنّ الولايات المتحدة الأميركية، بإدارتها الجديدة، تتجه نحو النفعية الإنتقائية في تعاملاتها الخارجية مع جميع القوى الدولية، من أجل النهوض بالقوة الأميركية، والتي باتت في طور التراجع على الصعيد الاستراتيجي في مقابل صعود للقوى الدولية الأخرى، كروسيا والصين، فإدارة ترامب هي نتاج للإرهاصات الأميركية الداخلية والخارجية، وانعكاس للمؤسسات الاستراتيجية الأميركية.
C14B20FB-4FFC-43B5-A593-E40D59541FCE
C14B20FB-4FFC-43B5-A593-E40D59541FCE
علي زياد (العراق)
علي زياد (العراق)