عندما يزهر الربيع الجزائري

02 ابريل 2014

مظاهرة في الجزائر ضد ترشح بوتفليقة

+ الخط -
بدا الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، وهو يتحدث إلى رئيس المجلس الدستوري الجزائري لخلافة نفسه على رئاسة بلاده لولاية رابعة على التوالي، شاحب الوجه منهك القوى، بالكاد تسمع الكلمات القليلة التي نطق بها، والتي قال الإعلام الجزائري إنها لم تتجاوز أربعين كلمة في خمس عشرة ثانية. فآخر مرة ظهر فيها الرئيس، وهو يمشي، تعود إلى 18 إبريل/ نيسان 2013، ومنذ ذلك التاريخ، لم يظهره الإعلام الرسمي الجزائري إلا جالسا، وبالكاد يحرك يده اليمنى. وظل الرجل الذي احتفل في الثاني من مارس/ آذار الماضي بعيد ميلاده الـ 77، وقضى 15 عاماً في الحكم، بعيداً عن شعبه، لم يخاطبهم عامين، منذ أُصيب بجلطة دماغية في إبريل/ نيسان الماضي.
كان بوتفليقة عندما استدعته مؤسسة الجيش عام 1999، لإخراج الجزائر من دوامة العنف التي استمرت طوال تسعينيات القرن الماضي، بمثابة المنقذ، وتحول اليوم إلى رجل البلاد المريض، والذي يحتاج إلى من ينقذه وبلاده، مما هو مقبل عليه. فعندما يتشبث بوتفليقة، والذي ينتمي إلى جيل الثورة الجزائرية، بمنصبه، على الرغم من السن والمرض، وبعد سنوات طويلة من الحكم، فهو لا يزيد فقط في توسيع الشرخ بينه وبين شرائح واسعة من شعبه الشاب، وإنما يسيء إلى تاريخ الثورة التي يمثل آخر رموزها، والتي قادها شباب آنذاك، كان بوتفليقة أصغرهم سناً.
وإذا كانت السلطة العسكرية، والتي تعتبر الحاكمة الفعلية في البلاد، قد نجحت في تجنيب الجزائر رياح ثورات الشعوب التي هزت المنطقة، بقمع التظاهرات القليلة التي شهدتها بلادهم، وأيضاً، بفضل الاحتياطي الكبير من العملات الصعبة، المتأتية من صادرات البترول والغاز الذي اشترت به، مؤقتاً، سلماً اجتماعياً هشا. لكن الشعب الذي يعاني، في أغلبيته، من الأمية والفقر، ويعاني شبابه من البطالة، وأكثر من ذلك، يعيش داخل مجتمعٍ، تنقصه الديمقراطية والحرية، لن يصمت طويلا، وقد بدأ فعلا بالتحرك والاحتجاج، برفع صوته، ليقول "بركات"، أي "كفاية"، لولاية رابعة لبوتفليقة، ولحكم العسكر. وليس مصادفةً أن يكون هو الشعار نفسه الذي رفعه المصريون للاحتجاج على التوريث في عهد حسني مبارك، وقبلهم رفعه التونسيون ضد ترشح زين العابدين بن علي لولاية رابعة، ليحذو حذوهم، بعد ذلك، اليمنيون والليبيون والسوريون.
بررت السلطة العسكرية التجديد لبوتفليقة ثلاث ولايات متتالية، بحجة "الاستقرار"، وهو التبرير نفسه الذي استعمل لإدخال تعديل على الدستور الجزائري عام 2008، للسماح لبوتفليقة بولاية ثالثة، ويستعمله اليوم مناصرو الرئيس، لترشيحه لولاية رابعة في انتخابات 17 إبريل/ نيسان المقبل. لكن، تحول شعار "الاستقرار"، مع مرور الوقت، وطول حكم الرئيس، ومع مرضه الأخير، وتقدمه في السن، إلى "جمود". وبالنسبة لمعارضي ترشح بوتفليقة لولاية رابعة، فإن عناده للبقاء في منصبه، على الرغم من عامل السن والمرض، لا يقضي، فقط، على كل فرص التناوب التي هي من سمات النظام الديمقراطي، وإِنما أَصبح يهدد بإدخال البلاد في دوامة من التوتر الذي قد يتحول إلى مصدر لأعمال عنفٍ، يصعب التحكم فيها.
حالة "الجمود" الحالية، والتي تشبه الهدوء الذي ينذر بالعاصفة، يغذيها وضع سياسي هش، يتمثل في ضعف جبهة مؤيدي استمرار بوتفليقة في قصر المرادية، فجبهة التحرير الوطني الجزائرية، والتي تعتبر "حزب الرئيس"، تخترقها انقسامات داخلية، ونقابة "الاتحاد العام للعمال الجزائريين"، الذراع النقابية لحزب السلطة، لم يعد لها الثقل نفسه في البلاد، مع ظهور النقابات المستقلة التي تقف وراء إضرابات عرفتها الجزائر أَخيراً. يضاف إلى ذلك صراع النفوذ الحاد داخل المؤسسة العسكرية، والذي برز، أول مرة على السطح، في تراشق إعلامي بين رموز أجهزة هذه المؤسسة التي يعتقد أنها من تصنع الرؤساء وتعزلهم.
على المستوى السياسي، أصبحت جبهة الرفض تتسع يوماً بعد يوم، مع انسحابات من سباق الرئاسة خشية التزوير، وحملات المقاطعة للانتخابات الرئاسية، والتي شملت حتى أحزاباً موالية للسلطة، مثل الحزب الإسلامي "الحركة من أجل السلم"، القريب من جماعة الإخوان المسلمين.
ولا يمكن للجزائر التي ظلت في منأى عن رياح "الربيع العربي" أن تظل بعيدة عن كل تأثير بما يحدث حولها. استفادت السلطة في السنوات الماضية من ريع المحروقات، لشراء هدوء الشارع، وكان لصدمة الحرب الأهلية التي عاشتها البلاد، طوال تسعينات القرن الماضي، أَثرها البالغ في نفوس الجزائريين الذين فضلوا، حتى الآن، الاستقرار بأي ثمن، على مشاهد آثار سلبية لثورات هزت أكثر من بلد عربي. لكن، إلى أَي حدٍّ سيظل الجزائريون يركنون إلى "استقرارهم" الخادع، فيما العالم يتحول من حولهم، وهم يعيشون على وتيرة فضائح فساد مدوية، داخل دواليب السلطة، وعلى كل مستوياتها؟
كان الاستعمار الفرنسي للجزائر أطول استعمار شهدته دول المنطقة، ودام زهاء 130 عاماً، وكانت الجزائر آخر دول المنطقة التي استعادت استقلالها، لكنها، عندما فعلت ذلك، صنعته في ثورة قضى فيها مليون ونصف مليون شهيد، ضحوا من أَجل أَن يستعيد الشعب الجزائري حقه في تقرير مصيره. وطوال عقود، كانت الثورة الجزائرية، وما زالت، تدرس نموذجاً لثورات الشعوب ضد الظلم والاستعمار، ومن أجل تقرير المصير الذي خرجت ثورات الشعوب العربية تطالب به تحت شعار "الشعب يريد". واليوم، تعتبر الجزائر من بين آخر دول المنطقة التي لم تمسها رياح الربيع العربي، وعندما سيأتي الربيع الجزائري، سيكون قوياً وعنيفاً تماماً مثل الطبيعة الجزائرية، وعندما سيزهر سيكون كريماً، تماماً مثل الشخصية الجزائرية، ستهب نسائمه لتعبر الحدود والقارات، تماما كما فعلت ثورة المليون ونصف مليون شهيد.
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).