عملة الاحتلال تبسط نفوذها على تعاملات غزة

عملة الاحتلال تبسط نفوذها على تعاملات غزة

15 ابريل 2014
الدولار والجنيه المصري يختفون من أسواق غزة
+ الخط -
في مشهد جديد على مسارح الحصار، الذي يعانيه قطاع غزة منذ قرابة ثمانية أعوام، اختفى الدولار الأميريكي، والجنيه المصري، واليورو الأوروبي من أسواق القطاع، بعد رواج دام عقوداً، ليكتفي الغزيون هذه الأيام بعملة الاحتلال الإسرائيلي وهي "الشيكل"، كعملة متداولة أولى وربما الوحيدة.

وكثيراً ما يوقف الصرافون في قطاع غزة عملهم ساعات طويلة في انتظار ثبات الأسعار، التي تتغير بتحركات غير متوقعة نتيجة انعدام التوازن بين العرض والطلب، بينما يلجأون أحياناً إلى حيل تثير غضب المواطنين كوضع فروق شاسعة بين سعري البيع والشراء في صرف العملات.

خسائر متلاحقة

يقول، موسى العمراني، صاحب محل صرافة وسط مدينة غزة إن إغلاق المعابر وتدمير الأنفاق خفّضا بشكل كبير التعامل بالعملات الأجنبية وخاصة الدولار، مشيراً إلى تكبده خسائر فادحة اضطرته الى ضخ المزيد من رأس ماله من دون أرباح تذكر.

وأضاف العمراني الى مراسلة "العربي الجديد" أن أصحاب الأنفاق كانوا أكثر الزبائن حاجة لشراء الدولار لشراء بضائعهم، لكنهم اختفوا مع هدم الأنفاق".

وهُدّمت الأنفاق الحدودية بين مصر وقطاع غزة، والتي كانت بمثابة شريان حياة لقرابة 1.8 مليون فلسطيني يعيشون في القطاع، إثر حملة واسعة شنها الجيش المصري عقب الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب، محمد مرسي، في يوليو/تموز الماضي.

وحسب صيارفة غزة فإن متوسط ما كان يبيعه الصراف، قبل هدم الأنفاق يتراوح بين 20 ألف إلى 30 ألف دولار يومياً، في حين يصل بالكاد مجموع ما يبيعه الآن ثلاثة آلاف دولار يومياً، عدا عن الجنيه المصري واليورو اللذين لم يعد أحد بحاجة لهما هذه الأيام.

وبينما تنخفض حركة شراء العملات الأجنبية لدى الغزيين، ترتفع حركة البيع قليلاً نتيجة تسلم موظفي حكومة غزة، ووكالة الغوث وبعض موظفي القطاع الخاص رواتبهم بالدولار.

ويقول إبراهيم طه، أحد صرافي غزة إن موجة هبوط الدولار التي حدثت قبل أشهر عدة سببت له خسارة كبيرة ودفعت كثيرين الى اللجوء إلى الشيكل لحماية رأس مالهم، "لكن الشيكل هو الآخر أخذ يهبط مقابل الدولار، ما ألحق بنا خسائر أخرى.

وأوضح طه، أن عدم القدرة على التوقع أصبحت أهم المشاكل التي تواجه الصرافين، حتى أصحاب الخبرة منهم، موضحاً أن بعضاً جازف باللجوء إلى عملات أو بورصات معينة مستعيناً بخبرته في التوقع، فكانت في انتظاره خسائر مضاعفة.

وأشار طه، إلى أن بعض الصيارفة ممن يعملون برأس مال كبير نسبياً لجأوا الى شراء عقارات في مسعى لحماية أموالهم الى حين استقرار الأسعار، مطالباً الجهات المختصة وعلى رأسها سلطة النقد الفلسطينية ( القائم بأعمال البنك المركزى ) بوضع آليات لحمايتهم.

بينما يشكو، أبو محمد، الذي يعمل في محل صرافة قلة دخله المالي قائلاً إن المحل لا يجني أرباحاً تذكر، وبالكاد ينتعش مع حركة رواتب الموظفين الذين يبيعون الدولار فور تسلمه لتسيير أمور حياتهم.

الوضع العام يلقي بظلاله

وقال معين رجب، الخبير الاقتصادي، في مقابلة هاتفية لـ"العربي الجديد": إن الصرافين ليسوا بعيدين عما تتعرض له البلاد من أزمات، إذ طال الحصار كل شيء، بما فيه العملات والتحويلات والمعاملات البنكية، مؤكداً تراجع حجم الأموال المتداولة في الاتجاهين.

وأشار إلى أن أنشطة الصرافين تتعرض للكثير من الركود والتذبذب في الوقت ذاته، على اعتبار أن النشاط الاقتصادي لأية معاملات غير منعزل عن التطورات الراهنة، خاصة فيما يتعلق بأوضاع الرواتب.

وتابع رجب، "لرواتب الموظفين دور كبير في حركة الأسواق المالية، فالموظفون يلجؤون الى التحويلات المالية فور تسلم رواتبهم للوفاء بالتزاماتهم أو الادخار، الأمر الذي ينشط عمل محلات الصرافة".

وبين أن بعض المواطنين يغيّرون مبالغ كبيرة من العملات دفعة واحدة بغية تحقيق الربح ما يخلق نوعاً من عدم التوازن في العرض والطلب، ويزيد من حجم التقلبات، مشيراً إلى استغلال بعض الصرافين للوضع، وتلاعبهم في الأسواق.

تلاعب في أسعار العملات

وفى رأى معين رجب، الخبير الاقتصادي، فأن التلاعب في أسعار العملات يتوقف على موقع محل الصرافة، فإن كان في منطقة مزدحمة بالأسواق، حيث يكثر الصرافون والمنافسة تكون كبيرة مثل "سوق العملة" يكون من الصعب الخروج على سعر السوق، أما إذا كان محل الصرافة الوحيد في المنطقة سيتمكن الصراف من التلاعب في السعر، حيث لا توجد فرصة للتأكد من سعر العملة.

وأكد أن الصيارفة وتجار الذهب من أكثر الناس عرضة للخسائر خلال الفترة الحالية، حيث التقلبات الحادة في أسعار معظم العملات الدولية.

وعن قدرة الصيارفة على توقع تقلبات أسعار العملات، والعمل لمصلحتهم في تحقيق الربح قال رجب، "الأمر نسبي، فالصرافون لن يستطيعوا التنبؤ بكل شيء، بينما يتوقف الأمر أحيانا على مهارة الصراف، وحجم معاملاته وشبكة اتصالاته، وزبائنه وكل ذلك يصقل مهارته".

وقال إن حجم رأس المال النقدي للصراف يساعده في حرية الحركة، وفي جلب زبائن جدد.

"سلطة النقد" الحاضر الغائب

وحول دور السلطة النقدية الفلسطينية فى الرقابة على أسواق الصرف أوضح رجب، أن لسلطة النقد دوراً مهماً في مراقبة الأسعار وتوجيه الصرافين الى حمايتهم من الخسارة، مبيناً أن النظام المصرفي يتيح للسلطة، أن تحدد رقابتها على الصرافين باعتبار أنهم يحصلون على تراخيص العمل من سلطة النقد.

وقال رجب، إن عدداً من محلات الصرافة في قطاع غزة لا تؤدي عملها بشكل قانوني ومهني وفق ما ينص عليه قانون الصيرفة المُقر من المجلس التشريعي والملحق به قرارات تضبط العمل في تلك الشركات.

وأضاف "يفترض أن يكون لدى الصرافين سجلات تنظم أعمالهم، وتكشف حجم وأسعار العملات المتداولة"، مشيراً إلى عدم وجود رقابة فعالة ودقيقة من قبل سلطة النقد في ظل الانقسام والظروف القائمة، "كما أن الصرافين لا يلتزمون تسجيل كل ما يتداولونه من عملات"، حسب رجب.

لا حاجة للعملة الأجنبية
عمر شعبان، الخبير الاقتصادي الفلسطينى يحاول من جانبه تفسير ضعف الاقبال على العملة الأمريكية داخل القطاع قائلا إن وقف حركة الاستيراد والتصدير أو غيرها من الأنشطة التي تحتاج الى العملة الصعبة تعتبر أهم أسباب قلة إقبال الغزيين على الدولار، إضافة إلى الركود الذي يضرب اقتصاد غزة.

وأشار شعبان، إلى انعدام الحاجة للعملة الأجنبية في القطاع لتدمير الأنفاق، إضافة إلى ضعف حركة التجارة عبر معبر كرم أبو سالم الذي يتأرجح بين فتحِ وإغلاق يوماً بعد يوم.

وقال إن الحل الوحيد للخروج من الأزمة وإنعاش الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، هو رفع الحصار وفتح المعابر بلا قيد أو شرط وعودة حركة الصادرات والواردات إلى ما كانت عليه.

وأغلق الاحتلال الإسرائيلي أربعة معابر تجارية في منتصف يونيو/حزيران 2007 عقب سيطرة حركة حماس على غزة، وأبقت على معبر كرم أبو سالم معبراً تجارياً وحيداً، حصرت من خلاله إدخال البضائع إلى قطاع غزة، بشكل محدود وجزئي، إذ لا يلبي المعبر أكثر من 30% من احتياجات قرابة 1.8 مليون فلسطيني بالقطاع.

 

دلالات

المساهمون