عقوبة الإعدام في تونس تثير الجدل مجدداً

عقوبة الإعدام في تونس تثير الجدل مجدداً

06 ابريل 2015
يطالب البعض باستبدال الإعدام بالسجن مدى الحياة (ياسين الجعايدي/الأناضول)
+ الخط -
طفت مسألة عقوبة الإعدام على سطح الأحداث مجدداً في تونس، بمناسبة مناقشة قانون "مكافحة الإرهاب" وطرحه أمام مجلس نواب الشعب. وطالما أثارت هذه العقوبة الجدل في المجتمع التونسي بين رافضٍ لتطبيقها، باعتبارها "منافية لمبادئ حقوق الإنسان"، وأهمها "الحق في الحياة"، وبين مؤيد لها، باعتبارها أقسى عقوبة يمكن أن تُسلّط على مقترفي الجرائم الجنائية الخطيرة. وعلى الرغم من سماح الدستور التونسي الجديد بتطبيق عقوبة الإعدام، بعد صدور حوالى الـ20 حكماً بالإعدام، إلا أنه لم يتمّ تطبيق الأحكام، لأن تونس أوقفت تنفيذ أحكام الإعدام منذ أكثر من 20 عاماً.

ويقرّ النائب السابق في "المجلس الوطني التأسيسي" عن حزب "التحالف الديمقراطي"، رابح الخرايفي، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "إشكاليات عدة ترافق تنفيذ عقوبة الإعدام في تونس، ونحن أمام مأزق حقيقي، لأن أغلبية الرأي العام التونسي يؤيد تطبيق العقوبة، تحديداً أولئك الذين صُدموا بالأفعال الوحشية لمقترفي القتل". واعتبر أن "الشارع التونسي قد لا يقبل في الوقت الراهن توقف عقوبة الإعدام أو عدم تطبيقها، على أساس مبدأ الحق في الحياة".

وأكد الخرايفي أن "عدم تطبيق الإعدام قد يشجع البعض على المضيّ قدماً في أعمالهم الوحشية، فتكثر بذلك الجريمة". ويشدد على أنه "لا بدّ من شجاعة سياسية لحذف عقوبة الإعدام، ولكن هذه الشجاعة غير متوفرة حالياً لدى أغلب السياسيين". وأشار إلى أن "الدولة التونسية ملتزمة، على المستوى الدولي، بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام، على الرغم من شرعيتها الدستورية".

بل أكثر من ذلك، فإن المشرّع التونسي وسّع مجالات تنفيذ حكم الإعدام، وجاء في كتاب "عقوبة الإعدام في تونس بين الإبقاء والإلغاء"، أن "القانون الجزائي التونسي، يعاقب بإعدام مرتكبي جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والداخلي، والقتل العمد، والاعتداء على موظف عمومي، والاغتصاب المصاحب باستعمال العنف، والاعتداء بالعنف المرافق باستعمال السلاح أو التهديد به على قاض أثناء الجلسة، والخيانة المرتكبة من طرف العسكريين، والاستيلاء على سفينة بالعنف من كل ربان أو ضابط، وتسليم السفينة إلى العدو من طرف أي عضو طاقم سفينة، وتخريب السكة الحديدية أو إحداث خلل بها، أو وضع أشياء أو قام بأي فعل من شأنه إخراج الأرتال عن السكة، وتسبب ذلك في وفاة شخص".

اقرأ أيضاً: المصالحة الوطنية التونسية تراوح مكانها

من جهته، يؤكد رئيس "الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" عبدالستار بن موسى، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "رابطة حقوق الإنسان لديها تحفظات عدة على تنفيذ عقوبة الإعدام في تونس"، مشيراً إلى أن "العقوبة لا يُمكن أن تقلّص من الجرائم وتحمي النظام والأمن". وذكر أنه "في الولايات المتحدة مثلاً، وعلى الرغم من إقرار عقوبة الإعدام، إلا أن الجرائم البشعة موجودة وتُرتكب، وبالتالي لن يكون الإعدام وسيلة للردع".

واعتبر بن موسى، أن "احترازات الرابطة تعود إلى إمكانية اكتشاف خطأ قانوني ما، كما أن الشخص قد يكون مظلوماً، خصوصاً أن الإعدام عقوبة نهائية، ولا يُمكن التراجع عنها، وهو ما قد يخلق إشكالات إذا ثبتت براءة المُتهم بعد إعدامه". وأضاف أنه "قد يكون هناك خطأ في حكم الإعدام، بالتالي يمكن أن تكون النتيجة إزهاق روح بريئة".

وأوضح أن "هناك كتابا يتحدث عن الأخطاء القضائية، والخطأ البشري ممكن الحدوث، وبالتالي تظل عقوبة الإعدام مرفوضة، ويجب استبدالها بعقوبة السجن مدى الحياة". وشدد على أنه "إذا كان المشرّع التونسي لا زال يحكم بالإعدام، من دون تنفيذ العقوبات، تصبح وكأنها غير موجودة، وطالما هي كذلك، فيجب إلغاؤها أو استبدالها بعقوبات أخرى".

واعتبر بن موسى أنه "حتى في القضايا الإرهابية، يُمكن أن يُتهم شخص بالإرهاب ثم تتضح براءته، وبالتالي يتوجب مراجعة وتنقيح مشروع قانون مكافحة الإرهاب، ومنع غسيل الأموال، الذي ينصّ على تطبيق عقوبة الإعدام".

وكشف أن "الوقاية من الجرائم الإرهابية أفضل من المعالجة القضائية"، معتبراً أن "الإصلاح لا يتم إلا من خلال معالجة اجتماعية واقتصادية للأوضاع، لأن الإرهاب ينمو في بيئة يكثر فيها التهميش والبطالة والجهل". أما بالنسبة إلى زعيم "حركة النهضة" راشد الغنوشي، فإن "الإعدام ضرورة"، خصوصاً بعد اغتصاب حارس حضانة أطفال في العاصمة، طفلة في سن الثالثة، في حادثة هزت الرأي العام في تونس. وقال الغنوشي في حينه، "نحن نقول إن عقوبة الإعدام قانون طبيعي، النفس بالنفس، ومن هدّد حياة غيره ينبغي أن يدرك أنه يهدد حياته، فينبغي أن تواجه هذه الجرائم (الاغتصاب) بأقصى العقوبة".

كما طالب القيادي في حركة "النهضة"، أستاذ الشريعة وأصول الدين، عبدالمجيد النجار، في وقت سابق، بعدم إلغاء عقوبة الإعدام "استناداً إلى النصوص القرآنية"، مشيراً إلى أن "القصاص من ثوابت الإسلام"، وبناءً عليه لا يجب إلغاء عقوبة الإعدام، واصفاً الدعوات إلى إلغائها بأنها "تقليد للغرب". 

من جهته يقول القيادي في الحركة، لطفي زيتون، لـ"العربي الجديد"، إنه "مع بقاء العقوبة كنص قانوني للردع والتخويف، ولكنه ضد تطبيقها". وأضاف أن "مرتكب جريمة الاغتصاب أو القتل، يعرف مسبقاً أنه قد ينال أقصى عقوبة وهي الإعدام، وبالتالي قد يشكل بقاء هذه العقوبة رادعاً له".

واعتبرت رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، بدرة قعلول، أن "الظروف الحالية تُحتّم علينا أن نكون صارمين، خصوصاً بعد الحادثة الإرهابية في باردو". وأبدت قعلول استغرابها في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، من "الجدل الذي يُثار في كل مرة حول عقوبة الإعدام من قبل مدافعي حقوق الإنسان".

وأضافت أن "الذي يقتل أو يفجّر نفسه ويحكم بالإعدام على عشرات الأنفس البريئة بالموت، يجب أن يكون جزاؤه الطبيعي الإعدام". وتساءلت "كيف يمكن التعامل معه؟ ووفق أي منطق يتم الدفاع عنه؟". وأكدت أن "بقاء هؤلاء في السجون يشكل عبئاً على الميزانية"، داعية إلى "تطبيق القانون وتنفيذ عقوبات الإعدام". ورأت أن "الحديث عن الحريات في هذا الصدد كلام خاطئ، فثلاثة إرهابيين في باردو ضربوا صورة تونس واقتصاد البلاد ومسّوا السياحة في الصميم. ألا يكفي أن تكون تونس هي أول مصدر للارهابيين بأكثر من 3 آلاف مقاتل؟ لا بل تشير توقعاتنا إلى أن الأرقام في جبهات القتال أعلى بكثير".

اقرأ أيضاً: تونس: مسيرة عربية دولية تنديداً بالإرهاب

المساهمون