عزل ترامب بين يدي "الشيوخ"

عزل ترامب بين يدي "الشيوخ"

22 ديسمبر 2019
+ الخط -
تشعر زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، بأن "الأمة" لا تستطيع أن تنتظر موعد الانتخابات، لتعرف فيما إذا كان الرئيس دونالد ترامب سيستمر في منصبه أم لا، لذلك قامت مع أعضاء من حزبها بحملةٍ لعزله، بدأت من مجلس النواب الذي صوّت على قبول تهمتين خطيرتين، إحداهما كافية لخلعه، في حال أقرّها ثلثا مجلس الشيوخ. الحملة ذات شكل قضائي، تعرضُ فيها الاتهامات على النواب، ويصوّتون لصالح البراءة أو الإدانة، ولكن السياسة هي الهدف النهائي للعملية برمتها، فالديمقراطيون الذين خسروا كرسي الرئاسة بنتائج فاجأت العالم، عندما نجح ترامب في إقصاء المرشّحة القوية، هيلاري كلينتون، ما زالوا يتحسّسون طعم المرارة، وهم يشاهدون ترامب يمارس قيادة الولايات المتحدة من خلف منصّة "تويتر" الإلكترونية، ويشعرون بالخوف من أن يُعاد انتخابه، فمن حقَّقَ النجاح بأعجوبة، في المرة الأولى، قد يفعلها ثانية. لذلك يمكن اعتبار محاولة العزل حركة سياسية أكثر منها قضائية، وتهدف إلى قطع الطريق بشكل مسبق أمام مرشّح جمهوري.
يسمح الدستور الأميركي بممارسةٍ من هذا النوع، وقد حدث أن تعرّض اثنان من الرؤساء الأميركيين لاتهاماتٍ وتهديد بالعزل سابقاً، وهو عدد ضئيل قياساً بعدد الذين مرّوا على كرسي الرئاسة. يسهِّل الدستور الأميركي تمرير التهم في مجلس النواب، باعتماده على الأغلبية البسيطة، ولكنه يجعل الأمر شبه مستحيل، عندما يشترط أغلبية الثلثين، ليتم العزل الفعلي، وهو أمر يدركه الساسة الأميركان، ولكن هذا لا يعني أنهم يضيعون وقتهم بإجراءاتٍ يعرفون أنها لن تجدي في نهاية المطاف، وهناك مثال حالة الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، الذي سارع إلى الاستقالة عقب فضيحة ووتر غيت (التجسس على الحزب الديمقراطي). وقد أدرك حينها أنه سيخسر المعركة، فتنحّى قبل أن يلطَّخ بعار العزل. العملية برمتها ممارسةٌ سياسيةٌ يستغل فيها الديمقراطيون مساحةً دستوريةً لتلطيخ منافسهم، وقد لعب الجمهوريون اللعبة نفسها فيما مضى مع الرئيس بيل كلينتون، إبّان فضيحة المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، وكان كلينتون حينها يتمتع بشعبية تفوق السبعين بالمائة، حيث صوّت مجلس النواب على عزله، مع علم الجمهوريين أن التصويت لن يمرّ في مجلس الشيوخ، ولكنهم كانوا يدركون أيضاً أن وضع كلينتون والحزب الديمقراطي تحت ضغط الاتهامات والهجوم الإعلامي المركّز هو جزءٌ من حملةٍ مبكّرة نجحت، في النهاية، لصالح الجمهوريين بانتخاب جورج بوش الابن. وقد جلس في المكتب البيضاوي ولايتين متتاليتين، أما خصمه الديمقراطي آل غور الذي كان نائباً لكلينتون، فذهب ضحية فضيحة لوينكسي التي عرف الحزب الجمهوري كيف يوظّفها ليضع مرشّحه، جورج بوش الابن، في البيت الأبيض.
المستهدف الحقيقي من هذه التحرّكات هو الناخب الأميركي الذي يدلي بصوته كل أربع سنوات. ويفيد هذا الاستعراض القضائي في إثبات الوطنية أو دحضها. وبغض النظر عن النتيجة النهائية لإجراءات العزل التي أثبت التاريخ عدم نفاذها، المهم هو المحاكمة التي يقوم بها الناخب الأميركي، وهو جزء من جمهورٍ منهمكٍ إلى درجة كبيرة بالعمل أو بالاستمتاع بعطلة نهاية الأسبوع، ولا تطلب منه الحكاية أكثر من أن يقول نعم أو لا. وهذا الأمر منسجم مع مجتمع مقسوم بشكل شبه متساوٍ بين تجمعين كبيرين، جمهوري وآخر ديمقراطي.. وللأسف قد لا يؤدي تعريض ترامب لاتهامات بخرق القوانين، وجرّه للدفاع عن نفسه، إلى نتيجةٍ حتميةٍ ستنفع الديمقراطيين في نهاية المطاف، فقد ينجح ترامب في طريقة الدفاع عن نفسه، ويقلب الهزيمة نصراً على شكل حجز كرسي الرئاسة أربع سنوات أخرى، وهذا رهنٌ بطريقة ردّه على هذه التحرّكات، وقد بدأ بالفعل في تحضير هذا الرد. وفي الوقت الذي أذيعت فيه نتيجة تصويت الكونغرس، علَّق على التهمة أمام حشدٍ من أنصاره ساخراً: هذه العملية هي عملية صيد كائناتٍ وهمية.