عذابات وآمال ممتزجة بالنصر

عذابات وآمال ممتزجة بالنصر

30 يوليو 2014

اعتصام أمام سفارة إسرائيل في بانكوك (يوليو/2014/Getty)

+ الخط -

 في غزة، لا يوجد جيش، ولا توجد خطوط إمدادات، ولا توجد سفن وطائرات حربية. كل ما هنالك ثلة من المقاتلين، يملكون قليلاً من السلاح والعتاد، وكثيراً من التربية العقدية والتربية النفسية لمواجهة المستحيل.
هم اليوم مثل النبي موسى، في حديثه مع رمسيس الثاني (فرعون) منذ ألفي عام: أمعك قوة؟..لا؛ أعندك جيش ؟...لا ؛ أجئت وحدك ؟ نعم.
مستهزئاً مستغرباً عودته إلى مصر، يقف أمامه بشجاعة وجأش، لا يخاف بطشه، متسلحاً بقوة الحق ضد الظلم. قوة المستضعف أمام هزالة جبروت الطغيان، وقد فر موسى منه إلى مدين، ماشياً على قدميه، حتى تمزقت نعلاه وانسلخ جلده.
في مدين، اضطر موسى لرعي الأغنام؛ فتعلم الصبر والحلم والانضباط من قسوة البادية. في الوقت الذي كان (فرعون) في نعيم القصور الفارهة، كما تنعم إسرائيل بالغنى والترف، وجيشها بالنساء والخمر والمخدرات. كان موسى في "مدين" كما كان في غزة، جيل نسيه الكيان الصهيوني، يعيش في مسرح الحياة الضنك والحصار الشديد. جيل من المقاومة، حرم من كل شيء؛ من تحقيق طموح الشاب في العمل وتنمية الذات. حرم من كل متع الحياة البسيطة. الكثيرة في تل أبيب وحيفا. في هذا لا يجد سبيلاً غير الاندفاع إلى الأمام في وجه إسرائيل.
على الرغم من أن فرعون طاغيةً ارتكب جريمة تاريخية بقتل الأطفال، استكبرها الإله، إلا أن الكيان الصهيوني كان أكثر براعة بقتله العائلات بالجملة، والحوامل قبل أن يلدن، وتدمير البيوت على أهلها والمساجد.
لم يوفر الكيان الصهيوني منذ 66 عاماً رصاصه يوماً على الشعب الفلسطيني، على الرغم من استيلائه على الأرض، وإقامته دولة على أنقاض هذا الشعب، بل اتخذت المعارك والحرب ضد الشعب الفلسطيني طابعاً (تصاعدياً) منذ 1948، فكلما ازدادت إسرائيل قوةً وثروة ازدادت شراسةً وتدميراً.
ولو أن فرعون ترك قوم موسى يحيون حياةً طيبة، ينعمون كما ينعم، ويزدهرون في

أوطانهم، فتكون سلاماً وأمناً، لو أنه كف عن شروره، ما غرق هو وجنوده في بحر الظلمات.
وفيما يلي بعض آثار معركة غزة على إسرائيل:                              

1- إن كانت إسرائيل تخوض المعركة الثالثة مع المقاومة في غزة، وقد تطورت قوة التصدي والردع والتطور للمقاومة إلى ما هي عليه اليوم، فهل تستطيع خوض معركة مع خصم أكبر، مثل حزب الله، بإمكاناته المفتوحة؟
2- حرب الإبادة الثالثة على غزة في أقل من خمس سنوات صعّدت مشاعر الكراهية لإسرائيل في المنطقة والعالم .
3- جميع (القوى) في المنطقة التي احتضنت، وهناً منها وخوفاً على مصالحها، أهداف الشيطان، يطعمها من شجرة الكيان الصهيوني؛ تتعرض، اليوم، في سلطتها وسلطانها للسقوط على وجهها، من نعيم السماء إلى ضنك الأرض.
4 - براعة الابتكار للمقاومة في غزة  للتكنولوجيا، على الرغم من الحصار والفقر في الموارد؛ تطرح تساولات كثيرة، خصوصاً من جيل الثوار في المنطقة، عن "كفاءة" وجدية  قياداتهم التي لم تتمكن، حتى من توفير الكهرباء في مدنهم وقراهم سنوات طويلة، أو توفير علاج مناسب لأمراض متفشية .
5- التظاهرات المتكررة، والكبيرة في العالم ضد إسرائيل، نتيجة المجازر المتكررة وإبادة الأطفال، ستنعكس، فكرياً ونفسياً، على المجتمعات الدولية، وتثير التساؤلات، ما يعرض الجاليات الإسرائيلية في الخارج للمخاطر في العالم.
6- بعد أن كانت ثورات الربيع العربي قد خمدت قواها وضعف عزمها في مواصلة الطريق، باتت معركة غزة رافعة للآمال، ومستنهضة  للروح المعنوية للعمل والهمم.    
6-بعد ذبح الحركات الإسلامية الثورية بشتى الوسائل من الأنظمة، أو من القوى الخارجية؛ أعيدت لها روح العطاء. واستنهضت هذه المعركة فيها مزيداً من التضحيات، بعد أن شاهدت بسالة وبأس المقاومة الذي أحرجها هي أيضاً.
7- لم يكن ممكناً لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري ، أو أي أحد من الأطراف في المنطقة إقناع المقاومة في غزة، لوقف القتال ثم التفاوض، فقد مات هذا الخيار والمنهج  بلا عودة.
8-  مشروع الأنفاق الاستراتيجي في المقاومة أصبح مصدراً للرعب بين الإسرائيليين. فكما قال أحدهم، قد أواجه بفلسطيني في غرفة نومي يخرج من النفق، إضافةً إلى أنها أسقطت أي نظرية للأمن القومي.

 


 

BF71A57A-6833-49C0-8D22-B960AD5656E6
خالد محمد النجار

كاتب ودبلوماسي فلسطيني، سفير سابق في قبرص، عمل مديرا عاما في وزارة الخارجية الفلسطينية، نال الماجستير في الإدارة والاقتصاد من الولايات المتحدة.