عبد العزيز مخيون.. محاولة في تأصيل المسرح

عبد العزيز مخيون.. محاولة في تأصيل المسرح

03 يونيو 2020
(عبد العزيز مخيون)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الثالث من حزيران/ تموز، ذكرى ميلاد الفنان المصري عبد العزيز مخيون (1943).


في كتابه "يوميات مخرج مسرحي في قرية مصرية" (2015)، يروي عبد العزيز مخيون الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده، تأسيسه لمسرح الفلاحين في منتصف ستينيات القرن الماضي، مستنداً إلى تراث السامر بجذوره في ثقافة فلاحي الدلتا، ومستعيناً بمقالات معمّقة كتبها يوسف إدريس وعلي الراعي حول تأصيل المسرح المصري، محاولاً تطبيقها على نص "الصفقة" لتوفيق الحكيم.

يشير الفنان المصري (1943) في الكتاب إلى أنه "خارج القرية توجد مساحة خالية ليس لها صفة إلا كونها أرض فضاء، وفي أحد أيام الأسبوع ينصب السوق فوق هذه المساحة، وهنا تكتسب صفة اجتماعية وهي السوق.. ومن الممكن وعلى نفس هذه المساحة أن يجري عرض مسرحي يكون له بدوره حيزه الخاص.. وهذا ما يعرف بالتوزيع المورفولوجي للمكان".

لم تنجح المشاريع التي قدّمها أكثر من فنان، آنذاك، مثل هناء عبد الفتاح وأحمد إسماعيل يلتقون في خروجهم على مسرح العلبة الإيطالية، لكنهم اختلفوا في توظيف الموروث الشعبي وشكل إخراجه، حيث أشرك مخيون الفلاحين أنفسهم ممثلين في مسرحيته التي أدّوها في الهواء الطلق بعد تدريب متواصل لثلاث سنوات، وحين أدرك صعوبة إعادة الكرّة، انتقل إلى باريس حيث أكمل دراساته العليا في المسرح.

ظلّت تلك التجربة علامة راسخة في تاريخ المسرح المصري حيث لا يتجاوزها باحث أو ناقد عند توثيقه للتيارات التي برزت في هذا الاتجاه، إلا أن المفارقة تكمن في عدم صمودها أمام المؤسسة الرسمية في مرحلة المدّ القومي، والتي وضعت معوقات عديدة منها رفض التمثيل خارج الخشبة أو االاعتراض على طبيعة النصوص المختارة.

نشأ مخيون في عائلة ممتدّة تسكن سرايا (قصر) يعود بناؤها إلى نهاية القرن التاسع عشر في قرية أبو حمص بمحافظة البجيرة، وفيها مكتبة ورثتها عن جدّه، حيث يتحلّق بعضهم في جلسات نقاش حول الشعر والأدب حول مثقفين وأزهريين ويقيمون قراءات شعرية في المناسبات الاجتماعية، وكان يتابعهم ويقرأ كتباً أغلبها تراثية كما يروي في مقابلة سابقة.

انتقل بعدها إلى القاهرة للدراسة، حيث التحق بـ "معهد الفنون السينمائية" ولم يتمكن من دخول بمعهد المسرح رغم اجتيازه امتحان القبول، لكنه لم يحظ بواسطة تؤّهله للانضمام إلى فضاء أكاديمي كان يسعى كبار المسرحيين احتكاره لأبنائهم، ما اضطره إلى تقديم شكوى لوزير الثقافة عبد القادر حاتم، حينئذ، الذي نظر فيها فألحقه بـ"المسرح" حيث تخرّج منه.

كان مخيون شغوفاً بقراءة الكتب ومتابعة الأعمال المسرحية، خاصة تلك التي تقدّمها فرق مسرحية أجنبية تزور مصر، والتعرّف على عدد من المثقفين عن قرب، ومنهم لويس عوض وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وأمل دنقل، والأخير جمعته به صداقة وثيقة حيث سكنا سوية لعدة سنوات وتسعكا سوية في ليل القاهرة، ولم يفوّت ندوة نجيب محفوظ التي كانت تقام في مساء كلّ جمعة بمقهى ريش.

دفعه تكوينه الثقافي إلى ممارسة الصحافة والكتابة فيها منذ كان طالباً في باريس، حيث أجرى مقابلات عديدة نشرها مع العديد من الكتاب والمثقفين مثل حسن فتحي ولويس عوض ونجيب سرور وغيرهم، وقاده أيضاً إلى مقاربة الفن على نحو مغاير ومختلف، غير ملتفت إلى النجومية التي صنّعتها الدراما المصرية بابتذال، على حدّ قوله، ما جعله يبتعد عن الأدوار التي لا تلائمه، ومنتقداً انفصام رأس المال المنتج للدراما عن واقعه ومشاكله همّه تسطيح القضايا وتغييب جوهرها.

من أبرز الأدوار التي قدّمها شخصية الضابط سالم في فيلم "الهروب" لعاطف الطيب، حيث يلاحق ابن عمه الذي خرج عن القانون كاشفاً خلال تأدية مهمته غياب المهنية والنزاهة لدى الشرطة، وشخصيات "طه السماحي" في مسلسل "ليالي الحلمية" و"وحيد رضوان" في "الشهد والدموع"، إلى جانب شخصيات تاريخية تقمصها في أكثر من عمل كهنري كوريل في "أوراق مصرية"، وأحمد لطفي السيد في "مشرفة رجل لهذا الزمان"، ومحمد عبد الوهاب في أربعة مسلسلات تلفزيونية.

تسبّبت له مواقفه السياسية المعارضة لحكم السادات ومبارك إلى مشاكل ومضايقات شخصية، وهو الذي بدأ حياته عضواً في "حزب التجمع" اليساري، ثم "حزب الخضر"، قبل أن يلتحق بحركة "كفاية"، متهماً الأجهزة الأمنية بالتنصّت عليه واستغلال خلافاته الزوجية والتحريض على قتله.

المساهمون