عباس والدبلوماسية المدروسة: مستويان لتنفيذ الخطة السياسية

عباس والدبلوماسية المدروسة: مستويان لتنفيذ الخطة السياسية

28 سبتمبر 2014
(تيموثي كلاري/فرانس برس)
+ الخط -

ترجح مصادر في الرئاسة الفلسطينية أن خطاب الرئيس محمود عباس، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أول من أمس هو خطابه الأخير، إذ لم يبق للرجل ما يقوله بعد 14 عاماً من تسلمه الرئاسة، وفشله في إنهاء الاحتلال وتحقيق إنجاز وطني فلسطيني عبر المفاوضات التي كانت الخيار الوحيد الذي اتبعه مع الاحتلال منذ توليه الرئاسة الفلسطينية.

وفيما تؤكد هذه المصادر "أن عباس يائس من الحصول على موافقة مجلس الأمن الذي سيتوجه له بمشروع لإنهاء الاحتلال وفق سقف زمني، لأن الولايات المتحدة الأميركية ستكون له بالمرصاد عبر استخدام حق النقض (الفيتو)، إلا أنها ألمحت أن عباس استجاب لضغوط فرنسية أوروبية بعدم التصعيد مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وعدم الإلحاح بمطالبة الجمعية العامة بسقف زمني محدد لإنهاء الاحتلال، أو إعلان عدم التزامه بأي اتفاقيات مع حكومة الاحتلال".

ولفتت المصادر نفسها إلى "أن فرنسا وعدداً من الدول الأوروبية وعدت عباس بتقديم مبادرة سياسية تقوم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وفق ترتيبات مع الاحتلال، على أن تدعم عباس في خطواته الدولية في حال فشلت هذه المبادرة". لكن بعض المحللين السياسين يرون أن المبادرة الفرنسية ليست أكثر من جزء من حملة استرضاء لعباس في المرحلة المقبلة.

أما على المستوى الشعبي فقد شكل خطاب عباس صدمة لأن الخطاب جاء "منزوع الفتيل" وتم استقباله بطريقة عادية على المستوى الشعبي، الذي كان يتوقع أن يحمل الخطاب مفاجأة أو مبادرة سياسية غير متوقعة، كما أكد الإعلام الفلسطيني الرسمي والفتحاوي، على مدار الأيام الماضية، لكن الخطاب لم يحمل أي جديد.

ويرى محللون أن الجديد الذي حمله خطاب عباس هو نعي ضمني لإتفاقية أوسلو التي نصت على اتفاقيات ثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ طالب بتدخل دولي، وأكد على استحالة التفاوض الثنائي مع إسرائيل حسب شروطها، وعزمه على ملاحقتها قضائياً ووصف قادتها بمجرمي الحرب.

إلا أن أوساطاً من المحللين والمتابعين والمواطنين، أكدوا أن عباس لم يأت بجديد، فقد سبق أن تطرق إلى مضمون خطابه عبر تصريحاته للإعلام في الأسابيع الماضية، في تأكيد أن الخطاب لم يحمل المفاجأة المنتظرة، التي تحدث عنها الصف الأول من قادة "فتح" ولا سيما تصريحات المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، الذي صرح قبل أيام من نيويورك أنه "إذا لم يتم وقف الاستيطان وإجبار إسرائيل على قبول الشرعية الدولية فسيؤدي ذلك إلى مواجهة حقيقية سياسية سواء مع الجانب الإسرائيلي أو الجانب الأميركي".

وترى هذه الأوساط "أن عباس لم يقدم مبادرة ومفاجأة كما وعد في الأسابيع الماضية، ولم يتحدث عن جدول زمني لإنهاء الاحتلال خشية الصدام مع الإدارة الأميركية، وأنه تعرض لضغوط دولية، ليأتي خطابه في إطار الإنجاز المعنوي وليس السياسي".

وحول ما تحمله المرحلة المقبلة ما بعد خطاب الرئيس عباس أمام الجمعية العامة، أكدت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي لـ"العربي الجديد" "أن الرئيس الفلسطيني أعلن في خطابه عن الخطة السياسية الفلسطينية، وبقي الآن البدء بتنفيذها عبر اتخاذ خطوات عملية وهي جاهزة وتنتظر إشارة البدء بالتنفيذ".

وتابعت عشراوي "الخطوات العملية ستكون على مستويين، الأول تحرك دولي فاعل لإقناع الدول بالتصويت لصالحنا في مجلس الأمن، قبل التوجه إليه بالمشروع الفلسطيني، وثانياً الإعداد للالتحاق بمعاهدات ومنظمات دولية وأهمها المحكمة الجنائية الدولية".

ورداً على سؤال حول السبب الذي دفع عباس إلى عدم الطلب من الأمم المتحدة تبني مبادرته السياسية وفق سقف زمني واضح، أجابت عشراوي "السقف الزمني لإنهاء الاحتلال حدده عباس بعامين إلى ثلاثة أعوام، ولكننا الآن نريد قراراً والتزاماً من مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة".

وحول موعد تقديم مشروع القرار، قالت "مشروع القرار بإنهاء الاحتلال يجب أن يصدر خلال دورة الجمعية العامة أي قبل نهاية العام الجاري، لكننا لا نملك الكثير من الوقت بسبب ما تقوم به إسرائيل، لذلك نحن بحاجة إلى تحرك سريع".

لكن مصادر في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أكدت لـ"العربي الجديد" أنه لن يكون هناك تحرك باتجاه المحكمة الجنائية الدولية، إلا بعد الحصول على رد من مجلس الأمن حول مشروع القرار المتعلق بإنهاء الاحتلال وفق سقف زمني محدد.

من جهته، يلفت الخبيرالقانوني محمد أبو سعدة إلى "أن عباس هو صاحب القرار بموعد تقديم مشروع القرار أمام مجلس الأمن"، موضحاً "أن فترة الثلاثة أعوام التي كان عباس قد تحدث عنها كسقف زمني لإنهاء الاحتلال من المحتمل أن تدرج في مشروع القرار".

وحول الفترة الزمنية التي تستغرق اصدار القرار من مجلس الأمن، قال أبو سعدة إنه "عندما يتقدم المشروع إلى مجلس الأمن سيتم إدارجه في جدول الأعمال، وحسب العرف الدبلوماسي سيستغرق تقديمه للتصويت من اسبوعين إلى ثلاثة على الأغلب".

ويتوقع المحلل السياسي أحمد رفيق عوض أن لا تحمل المرحلة المقبلة أي تغييرات دراماتيكية تذكر، بل ستبقى الأمور على حالها، قائلاً: "ليس هناك من مفاجآت، القوي هو الذي يغير الأقدار والمؤثر هو من يملك المفاجأة وليس الضعيف، والجمعية العامة ليست جمعية خيرية حتى يطلب منها الضعيف وتمنحه حقه".

ويضيف عوض "عباس يجيد فتح الأبواب، ولديه لغة دبلوماسية مدروسة، وهي مطاطية يستطيع النفاذ منها، لفتح الأبواب وإغلاقها فقد لوّح ونبّه وحذر في خطابه، لكنه لم يطلب". ويتوقع عوض أن تشهد المرحلة المقبلة نشاطات أميركية وأوروبية في حملة "استرضاء للسلطة الفلسطينية"، عبر إقناع إسرائيل بتخفيف الضغوط، وتوفير منح وخطط اقتصادية لامتصاص نقمة السلطة، ومبادرات للسلام بهدف الالتفاف على المطالب الفلسطينية، وإدخالها في أنفاق من الحوار غير المجدي لإيهامها أن هناك عملية سلام، وليس استجابة لمطالبها".

المساهمون