عام على الانقلاب في مصر: السيسي لم يُعاقب بعد

02 يوليو 2014
المشير يكرس جميع السلطات في يده (فاروق باتشي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
مرّ عام على إطاحة الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، ولا يزال الاستقرار الذي روّج له الجيش مفقوداً، على الرغم من التطمينات التي قدّمها. وفي السياق، كتب الباحث في معهد "بروكنغز"، اتش ايه هيللير، في صحيفة "الغارديان" البريطانية، تحليلاً عن الوضع في مصر بعد الانقلاب.

وأوضح هيللير أنه "كان خائفاً من ردة فعل جماعة الاخوان المسلمين من إطاحة مرسي، وكيف سيكون رد فعل أجهزة الدولة على ذلك، وهو السؤال الذي أجابت عنه الأيام. فقد صدر، الأسبوع الماضي، حكم بالسجن ضد عدد من الصحافيين بتهمة تهديد الأمن القومي".

ولفت الى أن "الحكم أرسل رسالة تحذيرية شديدة اللهجة الى الناشطين السياسيين، تُذكرهم بكيفية انحدار مسار الثورة إلى هذا المنحى الخطير، غير أن المفارقة تجلّت في أن ثواراً كثراً يؤيدون العسكر، ما يدفع الكثير من الناس خارج مصر للتساؤل: ما الذي حدث لهؤلاء الثوار الليبراليين؟ لماذا أصبحوا فرحين بالديكتاتورية ويؤيدون الشخص الذي أطاح مرسي؟".

واعتبر هيللير أن "الإجابة تكمن في أن بعضهم لم يكونوا ليبراليين حقيقيين، ولا يمثلون الحركة الثورية في شيء، ويتساهلون في انتهاكات حقوق الانسان، طالما كان ذلك بعيداً عنهم". وأشار الى مقال لرئيسة تحرير صحيفة "مدى مصر"، لينا عطا الله، جاء فيه أن "العودة إلى التهميش تتمّ عبر تعبئة وخداع الجماهير بجهود قليلة. فكيف نسى الثوار التاريخ القمعي للمؤسسة العسكرية؟".

وتابع هيللير "منذ إطاحة الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في 11 فبراير/شباط عام 2011، وقع الثوار فريسة بين أنياب مؤسسات الدولة المختلفة، بما في ذلك الجيش من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها، من جهة أخرى. وقد اقترح كثر الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة، كوسيلة للخروج من مأزق إطاحة مرسي. وكان في مقدمهم السياسي الليبيرالي، عمرو حمزاوي (بات الآن من ضمن الأفراد الممنوعين من السفر)، وأحد قادة زعماء الجماعة السابقين الذين يميلون إلى اليسار، عبد المنعم أبو الفتوح". 

وقال: كثر من الذين أيّدوا احتجاجات 30 يونيو/حزيران عام 2013، يصرّون على أن التظاهرات لم تكن تهدف الى السماح بعودة مبارك، وأتباعه أو حكم العسكر. وعلى الرغم من سذاجة هذا المنطق، الا أنها الحقيقة فعلاً، فهؤلاء لم يهدفوا إلى عودة حكم العسكر".
ورأى "أن عدد الثوار قليل، كما أنهم لا يملكون النفوذ الكافي، ولم يتمكنوا من تحديد النتيجة النهائية للاحتجاجات. والمفجع أن هذا العجز لا يزال مستمراً حتى هذا اليوم، في وقت تحتاج فيه هذه الأمة اليائسة إلى بديل إيجابي عن اليمين الديني والفاشية الجديدة".

وأضاف "أن حملة القمع ضد أعضاء جماعة الاخوان المسلمين، أدت إلى حدوث حالة من الاستقطاب بين مختلف قطاعات المجتمع المصري، فهناك ما بين 16 ألف إلى 40 ألف معتقل بالإضافة إلى مئات القتلى، ناهيك عن العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وذلك وفق ما ذكرته منظمة مراقبة حقوق الإنسان، وغيرها من منظمات حقوق الإنسان". 

واستشهد الكاتب بإحصائيات المنظمات الحقوقية، وكشف أنه "منذ أول أيام إطاحة مرسي، ومنظمات حقوق الإنسان مثل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تقوم بنشر تلك الانتهاكات. لقد وقع المصريون ضحية الاستقطابين الديني والأمني، ومع ذلك، يدرك الثوار الحقيقيون، بعد ثلاث سنوات، أن الطريق لا يزال طويلاً أمامهم". 

أما صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية، فقد كتبت عن رجوع مصر الى الوراء. وأوضحت أن "الغموض الذي يكتنف حكم الرئيس، عبد الفتاح السيسي، الذي فاز في انتخابات سهلة ومن دون أية معارضة تذكر، يثير التساؤل عند الجميع. ومن هذه الأسئلة: هل يكرس المشير جميع السلطات في يده، مثلما فعل نابليون بونابرت في فرنسا في فترة ما بعد الثورة أم أن فترة رئاسته ستشهد بداية الجمهورية الثانية، التي ستتميز بالصلابة والديمقراطية بدلاً من انقلاب عام 1952 العسكري، الذي استمر حتى إطاحة مبارك في 2011؟ أو أن السيسي، ذا الكلام المعسول، هو ببساطة وجه جديد للنظام القديم؟" 

ومنحت الصحيفة أدلّة على صحة الأسئلة الثلاثة. فالسيسي، بدا واثقاً من نفسه وهو يشهد حفل تخرج أكاديمية الشرطة والكلية الحربية. وفي خطابه أشار إلى ضرورة تقديم تضحيات مؤلمة، وفي رأيه أن الميزانية المقترحة لا تؤدي الغرض منها، وطالب بإجراء المزيد من خفض الدعم، ثم أعلن بـ"مهارة بونابرتية" عن تبرعه بنصف راتبه الرئاسي، بل وحتى نصف ثروته العائلية التي ورثها عن والده من أجل الأمة.

مثل هذه الكلمات تعجب الفقراء من الجماهير المصرية المحتشدة، فقد قام، السيسي، بزيارة ضحية الاغتصاب الجماعي من أجل استرضاء المواطنين الذين انزعجوا من ازدياد التحرش الجنسي في الشوارع المصرية. ولكن الفقراء سيبدأون في المعاناة عندما ترتفع أسعار الوقود وخفض الدعم ليغطي عجز الميزانية الذي يبلغ 12.5 في المئة، فالاقتصاديون والمستثمرون يفضلون الأسلوب الواقعي الذي يتبعه السيسي.

غير أن الاقتصاديين يشعرون بالقلق من الحلول الشمولية التي يتبعها، والتي تتضمن احتكار الجيش للمشاريع العملاقة، فعلى الرغم من حماس الجماهير للسيسي، إلا أن قلّة على استعداد للمساهمة في إنشاء "صندوق التنمية الوطنية" الذي دشّنه السيسي.

وأكدت "الايكونوميست" بأنه "على الرغم من التهليل لرئيس الجمهورية في الاعلام المصري، الا أن المخاوف تتزايد حتى بين أولئك الذين أيدوه، في البداية، وأشادوا به لأنه أطاح جماعة الإخوان المسلمين. فقد تنامت المؤشرات على الاستبداد، إذ ذكرت بعض التقديرات خلال العام الماضي، أنه تم اعتقال نحو 40 ألف شخص، والعديد منهم أعضاء في الإخوان المسلمين أو متعاطفون معها". ولفتت الى أن "هناك أدلة قوية على ازدياد وحشية معاملة الشرطة اثناء احتجاز المتهمين، إضافة إلى أنه تم مطاردة الناشطين الشباب الذين فجروا الثورة ضد مبارك، وكثرت المحاكمات الصورية مثل تلك التي انتهت، أخيراً، بإدانة ثلاثة من صحافيي قناة "الجزيرة" (بينهم أسترالي وكندي) بتهمة ملفقة. وقد هالت الأحكام جميع الحكومات الغربية خصوصاً وأن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، كان في زيارة للقاهرة ليحث السيسي، على إظهار تعاطفه واحترامه لحقوق الإنسان في اليوم السابق، على إصدار الحكم ضد الصحافيين".

واعتبرت أنه "من ضمن المحاولات الرامية إلى خنق المعارضة، إقالة آلاف الخطباء في المساجد وحظر المحطات التلفزيونية والبرامج المستقلة، وتصنيف النقاد بحسب القائمة السوداء، بما في ذلك الروائي الأكثر شهرة في مصر، علاء الأسواني، المعروف بـ"علمانيته الشرسة" وأنه كان من أوائل المؤيدين للسيسي".

وفي اشارة أخرى إلى الديكتاتورية "قام السيسي، بإلغاء واحد من مكتسبات الثورة وهو انتخاب عمداء ورؤساء الجامعات الحكومية، وبدلاً من ذلك سيتم تعيينهم من رئيس الجمهورية مثلما كان يحدث في عهد مبارك"، بحسب "الايكونوميست.

وبناءً عليه، ألمحت الى أن "الامل ليس كبيراً في أن يساعد انتخاب برلمان جديد في عملية مساءلة الحكومة. فطبقاً للقانون الجديد الخاص بتنظيم المجالس التشريعية في مصر، فإن عدد أعضاء مجلس الشعب سيكون 567 عضواً، مما يجعل من الصعب السيطرة عليه، وهناك 120 عضواً سينتخبون بموجب نظام القائمة الحزبية، و27 آخرين سيعيّنهم رئيس الجمهورية، بينما يتم انتخاب باقي الأعضاء بالنظام الفردي". ولفتت "الايكونوميست"، الى أنه "نظراً لحظر جماعة الإخوان المسلمين، وعدم وجود أحزاب معارضة أخرى قوية ذات شعبية جماهيرية، تبدو الساحة مهيئة أمام أصحاب النفوذ ورجال الأعمال، ومن المرجح أن يكون مجلس الشعب المقبل مجرد تابع للسيسي". 

وتخلص الصحيفة، إلى أن "السيسي، عموماً، لم يتم عقابه، حتى الآن، داخلياً أو خارجياً لاستيلائه على الحكم بالقوة، وذلك لأنه تمّ حظر نشاط الإخوان المسلمين، فيما تبدو باقي قوى المعارضة الداخلية مشرذمة وضعيفة، كما أن بعض دول الخليج الغنية مستمرة في دعم حكومته".

المساهمون