طقوس الموت عند قبيلة الدينكا

طقوس الموت عند قبيلة الدينكا

17 ابريل 2016
حلق الرؤوس واجب أساسي (جي أم لوبيز/ فرانس برس)
+ الخط -
وفاة الشخص تنهي صلته بالدنيا، لكنّ الحال مختلفة لدى قبيلة الدينكا في دولة جنوب السودان. تلك القبيلة تتشدد في طقوس معينة تصاحب وفاة أحد أفرادها. فمن جهة، تحاول أن ترضي الميت من أجل أن "يحيا" في العالم الآخر بسلام. من جهة أخرى، ترضيه كي يكفّ أذاه عن الأحياء، خصوصاً من أبناء أسرته الممتدة.

تعتبر قبيلة الدينكا من القبائل الجنوبية الكبرى والمهمة في جنوب السودان. تتمتع بنفوذ واسع نظراً لانتشارها الكبير مقارنة بالقبائل الأخرى. ينظر الدينكا إلى أنفسهم كإثنية عظيمة في مواجهة الإثنيات أو الأعراق الأخرى.

تهتم القبيلة بتخليد الميّت من خلال تخليد اسمه. فإذا مات شاب متزوج، يتزوج أخوه، أو من هو في مثل سنه من أفراد العائلة، باسمه، فتنسب الزوجة إلى الراحل مع الأطفال الذين تلدهم من الزوج الجديد. ليناديه الأطفال جميعاً بـ "العم". كما بإمكان "العم" أن يتزوج امرأة أخرى وينجب أطفاله الذين لا ينازعه فيهم أحد.

يعتقد الدينكا كثيراً في الأرواح. ويشتهرون بالـ"كجور"، وهي روح تسكن في شخص مختار ليكون الوسيط بين عالمنا والعالم الآخر. قد تحلّ الـ"كجور" بحيوان أو شجرة أو المطر أو النار أو غير ذلك. وبذلك، يصبح الحيوان أو المظهر الطبيعي، أحد أفراد العائلة لكنّه ملعون.

يقول الباحث في التراث الجنوبي دينق قوج: "أنا مثلاً من قبيلة الدينكا. وأسرتي تعتقد بحلول الكجور في الأسد. تنظر إليه كفرد من العائلة، ولدنا معاً ونحمل نفس الدماء. لذا لا نصطاد الأسد أو نقتله حتى إذا هجم على مواشي الأسرة". يوضح: "بمثل هذا الهجوم فإنّه يأخذ نصيبه من مال الأسرة. أما إذا قتل الأسد أحد أفرادها فالتفسير أنّها لم تقدم القرابين الكافية عند زواج أحد الأبناء لمنع الضرر".

يؤمن الدينكا بوجود حياة أبدية بعد الموت، ما يجعلهم حريصين على طقوس محددة عند الوفاة تختلف بين العامة والسلاطين حتى ينالوا طمأنينة أنّ تلك الأرواح تسكن في سلام. وهو ما يمكّن عائلة تلك الأرواح وأبناءها وأحفادها من العيش بسلام. أما التقصير فقد يجرّ المصائب على العائلة.

أول طقوس الموت التخلص من أيّ مواد سائلة كانت موجودة في المنزل لدى وقوع الوفاة، كالمياه والزيوت وغيرها. بعدها إطفاء النار الموقدة. كما تُحلق رؤوس أفراد الأسرة بأكملها ذكوراً وإناثاً. وتجري عملية الدفن نهاراً وإن وقعت الوفاة ليلاً.


بعد عملية الدفن مباشرة، يحرص أهل الميت على ذبح خروف أبيض باعتباره لون الحزن لديهم. وفي اليوم الثالث، تخرج أسرة الميت فجراً من المنزل لتجلس في مواجهة الشرق. توقد حولها النار وتبدأ في تلاوة أدعية تتصل بمناجاة روح الميت لتبعد عن المنزل، مع وعدها بإجراء كلّ الطقوس من أجل تجنب اللعنة. تستمر على هذه الحال حتى شروق الشمس. وفي اليوم السابع تُذبح الذبائح، ويمثل هذا لأقارب الميت، باستثناء أسرته، العودة إلى ممارسة حياتهم الطبيعية. أما الأسرة فتمكث في المنزل إلى أن يمر اليوم الخامس عشر على الوفاة.

يتجمع الأهل والأقارب مجدداً في ذكرى الأربعين بشكل أكبر. تذبح الذبائح. ويبدأ الحزن الرسمي بالتخلص من كل أدوات الزينة. هذا الحزن يستمر عاماً كاملاً.

يتابع قوج: "لدى مرور عام على وفاة الميت، يذبح عادة ثور ضخم، وتقدم المشروبات الكحولية إلى كبار السن. تحلق رؤوس أفراد الأسرة مجدداً، ليجمع الشعر ويمزج بالسمن والعجين وبواقي لحم الذبيحة، ويلقى في أطراف القرية، لتأكله الحيوانات كجزء من القربان". يضيف: "كما يوشم حفيد الميت الأكبر بالرقم 11 عبر حفره حفراً في منتصف جبهته، وعلامة زائد (+) على وجنته اليمنى. كذلك يحفر الرقم 11 في موقعين تحت الجبين يميناً ويساراً على بقية أفراد الأسرة". يوضح: "بعدها يطلب من الحفيد الأكبر الذي حفر جبينه بالجلوس منحنياً ليسيل الدم ويلمس الأرض. ثم يؤخذ الدم الممزوج بالتراب مع قليل من الرماد ليمسح به ذلك الجرح". يقول قوج: "أنا شخصياً جرى لي الأمر نفسه. قيل لنا يومها إنّ جدي ايويل شخصية مقدسة، وسيرضى عنا لأننا أرضيناه بدمنا. وسيباركنا في نومنا ويقظتنا".

من جهته، يقول القيادي الجنوبي مصطفى بيونق إنّ طقوس الدينكا تختلف ما بين الشخص العادي والسلطان. فلكلّ منهما طقوسه. يوضح: "الجميع يتفق بالنسبة لحلاقة الشعر للنساء والشباب. ويجري تزويجها بعد فترة الحداد إذا كانت صغيرة في السن لإبن زوجها إذا كان متزوجاً بغيرها ولديه أبناء كبار، على أن ينسب أيّ مولود لهما للأب المتوفي. وإذا لم يكن لديه أبناء تُزوَّج بشقيقه". بالنسبة إلى دفن السلطان، فإنّه يترافق مع طقوس أوسع منها رقصة النقارة الشعبية، وأغاني الحرب والـ "كجور". ولا يجري البكاء عليه أبداً.

بدوره، يقول الباحث الجنوبي دينق قاي إنّ تلك الطقوس تراجعت قليلاً، خصوصاً في المدن والمناطق الحدودية مع السودان. فهذه المناطق اكتسبت عادات السودانيين المسلمين في الموت. كما تتقلص عادة حلاقة الشعر، وتقتصر اليوم على الأسرة الصغيرة للميت.