طرق على أسوار الفلوجة... تمهيداً لاقتحامها

31 مايو 2016
انسحاب "داعش" مستبعد بسبب الطوق المحكم على الفلوجة(علي محمود/الأناضول)
+ الخط -
تشهد معركة تحرير الفلوجة تطورات متسارعة منذ أمس، الإثنين، بعدما نجحت القوات العراقية النظامية إلى جانب المليشيات التي تقاتل إلى جانبها، في تحقيق تقدم كبير على مستوى المعارك التي تخوضها من أربعة محاور، في حين تراجعت عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى مواقع خلفية داخل المدينة، على وقع القصف الصاروخي والجوي المكثّف، من جانب القوات العراقية والمليشيات، فضلاً عن الغطاء الجويّ الذي توفره المقاتلات الأميركية وطائرات "درونز". 

وسيطرت قوات الجيش والمليشيات على أجزاء واسعة من بلدة الصقلاوية، التي تمثل الرئة الرئيسية لمدينة الفلوجة، من الشمال، كما تمكنت من السيطرة على النعيمية، أولى القرى الملاصقة لسور الفلوجة الجنوبي، فيما تقدمت القوات ذاتها من الشمال والغرب بمستويات مماثلة، بالتزامن مع قصف كثيف بالصواريخ، طاول جميع أحياء المدينة بلا استثناء، إضافة إلى قصف جوي أميركي استهدف الخطوط الأمامية لقوات "داعش" في محاور المدينة الأربعة. وتؤكد مصادر موثوقة مشاركة وحدات خاصة من الحرس الثوري الإيراني في عملية الاقتحام، التي تعد المرحلة الثالثة والأكثر صعوبة من معركة استعادة الفلوجة. 

ويأتي التقدم الميداني بعد تصريحات لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، أمس الأول، الأحد، قال فيها إن القوات العراقية ستقتحم الفلوجة خلال 48 ساعة من الآن من قبل قوات خاصة، مؤكداً أن النصر على "داعش" سيكون الخيار الوحيد.

ويوضح قائد عمليات "تحرير الفلوجة"، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، في تصريح خصّ به "العربي الجديد"، أن "عملية التقدم مستمرة نحو الفلوجة"، مضيفاً أن "القوات العراقية المشتركة حققت تقدماً كبيراً يوم الإثنين، وما زالت تواصل ذلك بشكل جيد". ويلفت الساعدي إلى أن "اقتحام المدينة سيكون سريعاً جداً ومن محاور عدة  ومن خلال خطة لا يمكن الإفصاح عنها"، على حد قوله. لكن الساعدي أكد أن "دخول المدينة سيسبقه تأمين العائلات المتواجدة فيها". بيد أن تصريحات المسؤول العسكري العراقي لا تقلل من الخوف الذي ينتاب سكان الفلوجة والذين يقدر عددهم ما بين 70 و100 ألف شخص، غالبيتهم من الفقراء، الذين عجزوا عن مغادرة منازلهم. في هذا الإطار، يقول رئيس مجلس محافظة الأنبار، صباح الكرحوت "نحاول أن نجد الممرات الآمنة ونخرج العائلات، وعلى من لن يتمكن من المغادرة أن يرفع علماً أبيض فوق سطح منزله، حتى تتمكن قواتنا من معرفته وتجنيب المنزل النيران". 


من جهته، يتوقع العقيد الركن في قوات جهاز مكافحة الإرهاب، سالم مشكور، أن يكون الاقتحام الفعلي لأول أحياء الفلوجة خلال ساعات، مشيراً، في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "عملية السيطرة على الفلوجة ستكون متسلسلة وليست دفعة واحدة على الأغلب، فحجم المساحة الكبير وأحياؤها السكنية تجعلنا أكثر حذراً في التقدم بها خلال عملية الاقتحام وصولاً الى مركز المدينة". وفي سياق متصل، يوضح المتحدث باسم قيادة القوات المشتركة، العميد يحيى رسول، أن محاولة اقتحام الفلوجة جاءت مكملة لعمليات تضييق الخناق عليها التي انطلقت في وقت سابق.


في غضون ذلك، يتحدث خبراء ومحللون عن سيناريوهين محتملين لنهاية معركة الفلوجة. الأول يتمثل بأن يكون مصيرها مشابهاً لمصير الرمادي أو بيجي حيث تحولت المدينتان، بعد معارك استعادتهما، إلى مجرد رقعتي دمار، أو بقايا مدينتين، ولا سيما مع استخدام القوات المهاجمة سياسة الأرض المحروقة، التي أتت حتى الآن على أكثر من 30 في المائة من بنى الفلوجة التحتية كالجسور والطرق والمباني الرئيسية، وشبكة المياه والكهرباء والاتصالات، فضلاً عن تدمير مئات المنازل. 
أما السيناريو الثاني فيتمثل بانسحاب تنظيم "داعش" من الفلوجة أسوةً بما حصل في كبيسة والرطبة، في غرب محافظة الأنبار، الشهر الماضي، إلا أن هذا السيناريو لا يبدو واقعياً، طالما أن المدينة باتت مطوقة من جميع الاتجاهات. لذا سيكون من المرجح حالياً استمرار المعارك وتحولها إلى حرب شوارع تعقب عملية اقتحام المدينة، وهو الأمر الذي من شأنه أن ينهي شعار "المعركة النظيفة"، الذي رفعته الحكومة العراقية قبل أيام، فضلاً عن سقوط أعداد كبيرة من المدنيين.

وتؤكد مصادر مطلعة أن سلاحي الجو الأميركي والعراقي نفذا أكثر من 40 ضربة جوية داخل الفلوجة وعلى أطرافها، فضلاً عن عشرات الصواريخ والمئات من قذائف الهاون، التي تطلقها المليشيات أو قوات الجيش. وهو ما أدى إلى رفع عدد الضحايا المدنيين في الوقت الذي تلقي فيه المقاتلات الأميركية والعراقية منشورات تطالبهم بالاتصال عبر رقم الهاتف 195، لمساعدتهم في معرفة مكان الطرق الآمنة، مع استمرار قطع الحكومة الاتصالات عن المدينة.

وفي ما يتعلق بالمشهد العام داخل الفلوجة، فقد بدت شوارعها خاليةً، خوفاً من القصف الذي يمكن أن ينهال عليها في أية لحظة، والذي يتسبب بمقتل وإصابة مزيد من الأبرياء، الذين وقعوا تحت سجن كبير فرضه عليهم "داعش"، وباتوا تحت رحمة صواريخ تحمل أسماء طائفية تطلقها المليشيات عليهم، في إشارة إلى صواريخ كتبت عليها أسماء كل من  رجل الدين السعودي الذي تم إعدامه قبل فترة، نمر النمر، والقائد العسكري في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، والمسؤول العسكري لحزب الله، الذي قُتل حديثاً، مصطفى بدر الدين، والمرشد الإيراني، علي خامنئي، وغيرهم.