ضربوا الموكب وقدّموا الحكاية

21 يناير 2015

حزب الله يشيع جهاد مغنية في بيروت (يناير/2015/الأناضول)

+ الخط -
مثلما كانت الاعتداءات الإسرائيلية دائماً مدانة، وتستحث الرغبة والصرخة، للرد عليها فوراً، وإيلام إسرائيل التي تعربد؛ فإن الغارة على عناصر حزب الله، ومعهم عناصر إيرانية، ينبغي أن تؤلم كل عربي حر مؤمن، مثلما آلمت ذوي ضحاياها. وبالطبع، لن يؤثر على موقفنا المبدئي هذا انخراط حزب الله والإيرانيين في الحرب التي يشنها النظام السوري على شعبه. فللعدوان الإسرائيلي سياقه والموقف منه، ولعدوان حزب الله والإيرانيين على الشعب السوري سياق آخر. فعلى هذا الصعيد، لا تصح ولا تجوز مقولة أن يكون عدو عدوي صديقي، لأن للصراع مع الصهيونية طبيعته الاستثنائية، على الرغم من تنوع أسباب إسرائيل، كلما نفّذت قصفاً إجرامياً.
الأمر الذي نأمل أن يكون في موضع النقاش، حتى داخل معسكر إيران وحزب الله والنظام السوري، هو هذا الضبط المعيب للنفس حيال العدو، في وقت تنفلت فيه النفس، داخل هذا المعسكر، من كل ضبط وعقال، عند فتح النيران أو الغازات السامة على الشعب العربي السوري. فلا يختلف اثنان في أن حكومة نتنياهو ليست مؤهلة، حالياً، لأن تتبنى مشروع حرب شاملة على الجبهة السورية واللبنانية، تماماً مثلما لم يكن الموكب العربي (السوري الإيراني اللبناني) الذي تعرّض للقصف في الجولان مؤهلاً لأن يكون سبباً في خوض حرب مع إسرائيل. لذا، يحتمل الموقف الميداني ضربة مقابل ضربة. وإن كانت ليست هناك آلية على الطرف السوري لوجود خسارة سياسية، تطال من يطلق ناراً خاسرة؛ فإن الآلية موجودة في إسرائيل، لا سيما وهي تتجه إلى انتخابات عامة مبكرة!
في الجانب العربي، وهو، هنا، السوري الإيراني اللبناني، لا يستحق الرأي العام الاطلاع على رواية عربية ذات صدقية، أو حتى على رواية منقوصة، تنم عن حرص الراوي على إنصاف واحترام الرأي العام في بلاده. في كل مرة، يأتي الخبر المفصل (لا نقول اليقين) من المعتدين. جنازات التشييع وحدها تكشف عن النقاط الجوهرية من الحقيقة، لأن الراسخين في كتمانها وتحريفها لا يستطيعون منع التشييع ونكران أسماء الموتى، لا سيما عندما يكون "الشهيد" من الأوساط المبجلة. كثيرون هم الذين دفنوا بلا تشييع.
بعد القصف الأخير الذي طال مرموقين، تكفّل الإعلام الإسرائيلي بإبلاغنا الحكاية: كان هناك موكب، يضم قياديين إيرانيين، ومسؤولين بارزين من حزب الله يوجد في المكان للقيام بعملية كشف ميداني على موقع للحزب في الجهة السورية من هضبة الجولان، وكان الهدف نشر صواريخ أرض أرض، وجاءت الغارة رسالة تحذيرية لطهران ودمشق وحزب الله، مفادها بأن الجولان هو خارج الدائرة المسموح لكم الانتشار فيها!
كان في مقدور الطرف الآخر أن يطرح رواية مضادة على طريقته وبمفرداته. الموقع الإلكتروني الإسرائيلي، الموصول بأجهزة المخابرات، يقول مبشراً: شهد الوضع على الجانب الآخر من هضبة الجولان تطورات ميدانية، أخيراً، إذ عزز الجيش السوري امتلاكه صواريخ أرض ـــ أرض في القنيطرة، إضافةً إلى صواريخ "فاتح 110" الإيرانية. وقبل فترة وجيزة من نشر الأسلحة في العاشر من يناير/كانون الثاني الجاري، زار رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السوري، العماد علي عبدالله أيوب، الموقع يرافقه ضباط من الحرس الثوري الإيراني بملابس مدنية، وقدموا استشارات استراتيجية للقيادة السورية لمختلف الجبهات. وبعد هذه الزيارة، استُقدمت صواريخ إلى المكان.
يتعمد المحتلون، هنا، أن يصنعوا أرجلاً من خشب لنظام غارق في دم شعبه، فيبررون ضربتهم الانتخابية الأخيرة بأن الطرف العربي يتهيأ لحربٍ ضدهم. هم يعلمون أن الهدف الذي تم قصفه لن يبادلهم ناراً بنار، وليس في وارد مهاجمتهم، لكنهم، كالعادة، يميلون إلى تسمين هدفهم، بعد الإعلان عن قصفه. كأن الذي لم يتهيأ لقتال في أوقات الرخاء والاستقرار جاءته الحميّة في أوقات الكارثة السورية.