صوماليّون في كينيا ونجدة عربيّة غائبة

صوماليّون في كينيا ونجدة عربيّة غائبة

14 ابريل 2014

نسوة صوماليات في مقديشو

+ الخط -

يصف المواطن الكيني، جوشوا نياموري، ما رآه في مجمّع "كَسراني" الرياضي، بأنه معسكر اعتقال كبير، لم يفرّق بين صغير وكبير، أُمٍّ وشيخ وطفل وشاب، في مشهدٍ يذكّر بمعسكرات الاعتقال النازية. ويعبّر نياموري عن اشمئزازه من ممارسات حكومة بلاده تجاه الصوماليين المقيمين واللاجئين.

فأعمال الاضطهاد والعقاب الجماعي التي تمارسها السلطات الكينية بلغت درجةً شديدةَ الخطورة، كاستمرار لتطهير الإقليم الصومالي "الشمالي الشرقي" للكيان الكيني الذي خلّفه الاحتلال البريطاني من مكوّنه الصومالي، في تلك البقعة من شرق أفريقيا، بدءاً بحدِّ المجتمعات الصومالية البدوية في الضفاف الشمالية والشرقية لنهر "تانا"، هناك عند ملتقى الشعوب الكوشية والنيلية في المنطقة الحدودية الصومالية ـ الإثيوبية ـ السودانية الجنوبية.
ثبت استعصاء تهجير الصوماليين وإبادتهم في كينيا، على الرغم من اعتماد سياسات الفصل العنصري، والتوطين القسري للبدو، عبر مصادرة الماشية وقتلها، وإفساد مصادر العيش التقليدية، في محاولة لتكرار تجربة العقاب الجماعي بالإبادة والتهجير التي تعرضت لها قومية "رنديله"، الشقيقة للعنصر الصومالي، إثر تضامن الـ"رنديله" مع الصوماليين في استفتاء تقرير المصير والانضمام إلى الصومال فجر نشأة الكيان الكيني، فإن اعتياد استخدام التكتيكات الاستعمارية ذاتها التي مارسها البريطانيون على ثورة "ماو ماو" الكينية، لكن ضد الصوماليين هذه المرّة، وكل مرّة، ظل ديدن الحكومات المتعاقبة في نيروبي، القابعة في قلب مناطق عنصر الـ"بانتو"، الناطق بالسواحلية، والمغاير في غالبه للتنوّع الديني للعناصر الكوشية بدءاً بالصوماليين المسلمين والـ"رنديله" من أتباع الديانة القديمة عَبَدة الإله الواحد "واق"، وكذلك الـ"أورما" والـ"بورانا" والـ"غرّه" ثنائيي الثقافة."

يسود اعتقادٌ بأن البحث عن "نجدة" عربيةٍ للشعب الصومالي لا تعدو كونها سراباً في حالات، أو مجرّد استجارة من الرمضاء بالنار في حالات أخرى"

ويذكر أنه كان لانهيار الدولة الصومالية، بسقوط نظام الجنرال محمد سياد بري، والدخول في مرحلة الحرب الأهلية جنوب البلاد، أثران رئيسيان، جلبا معهما من الإيجابيات والسلبيات، حسب وجهة النظر الكينية، الكثير. من الناحية السياسية، تحوّلت جمهورية الصومال من مصدر خطر حقيقيٍّ على وجود الكيان الكيني إلى مجرّد امتداد مضطرب لتخومها الشمالية، والتي تمور بصراعات قبلية عبثية، لا تتسبّب بأي ضرر لدول الجوار، بقدر ما تجلب الفقر والموت للصوماليين أنفسهم،  نتيجة غياب دولةٍ قويةٍ وقادرةٍ في الصومال، قد تنصاع في أي  لحظةٍ لاشتعال الجذوة الخامدة للرغبة الشعبية على جانبي الحدود، في توحيد البلاد الصومالية تحت دولة صومالية واحدة، وما قد يجلبه ذلك للكيان الكيني من قلاقل واضطراباتٍ، لا يمكن لـ"هلاهيل" الدولة تلك تحمّلها.

أما الأثر الآخر، والذي تسبّب بفشل تام لمخططات النظام الكيني في إفراغ البلاد من عنصرها الصومالي، فقد كان عودة الآلاف من أبناء القومية الصومالية النازحين من الأراضي الكينية من الصومال، يرافقهم مئات الآلاف من اللاجئين الصوماليين، مصحوبين بعناصر كوشية أخرى من شمال كينيا إلى مركزها، بصورة بدَّدت، وعلى نحو دراماتيكي، نتائج كل المجازر وأعمال الحصار والتفقير، والتي تم ارتكابها بحق الصوماليين والكوشيين أربعين عاماً، واستعادة الصوماليين مركزهم الاقتصادي التقليدي في البلاد، بعد الهيمنة الهندية ـ الربيبة للإنكليز ـ لكون الصوماليين العنصر المحلي الأنجح تجارياً، وبلوغ تأثيرهم حدَّ تغيير خريطة العاصمة الكينية بازدهار ضاحية "إسيلي" قرب نيروبي، وتحوّلها واحدةً من أكبر الأحياء التجارية في العاصمة وعموم البلاد وأنشطها، ولتعود الأوضاع بذلك إلى الشمال الشرقي من جبل كينيا إلى ما كانت عليه، قبل الحظر البريطاني الذي أعاق الصوماليين عن التحرك بحرية في مراعيهم، جنوب النهر الآنف الذكر.

ويدرك المتابع المطّلع على وقائع الأحداث على الأرض الصومالية، أن حركة التكفير، "الشباب المجاهدين"، إضافة إلى أعمال القرصنة التي خمدت فجأة، أخيراً، مثلما طفت على سطح الأحداث فجأة، إنما تحمل بصمات صناعةٍ أجنبية، من حيث التمويل والدعم الفني واللوجستي ومصادر التسليح والتجهيز. فالأسلوب الصومالي التقليدي في القتال، وعلى مدى قرون، اعتمد ويعتمد المواجهة السريعة والمباشرة والمبالغة في تقديم الضحايا ـ تذكّر بسقوط النسر الأسود، لإحداث الصدمة المعنوية لدى الخصم، في سبيل إقناعه بعبثية مساعيه على الأرض، ليقرر الانسحاب بأسرع ما يمكن، قبل اتساع الحرب وطول أمدها وارتفاع فاتورة خسائره، فالشعب الصومالي قبلي، وبازدياد بُعدْ الخصم، دينياً وعرقياً، تتسع دائرة المطالبين بالثأر منه، هذا والحال غزو أجنبي للوطن، أو اضطهاد عنصري في الأقاليم الملحقة بدول الجوار، فذلك ما يجعل كل صومالي شريف، حسب العرف التقليدي، مطالباً بالإضرار بالعدو ومعاقبته، وتصعيب مهمته على أراضي الإقليم الصومالي، في جميع الدول التي تضمه، أياً كان الانتماء القبلي أو المناطقي لذلك الصومالي.

ماذا على الصوماليين أن يفعلوا ليحصلوا على حقهم في الدعم العربي؟

انتماء الصومال إلى جامعة الدول العربية، والعلاقات الأسرية والاجتماعية للصوماليين بكلٍّ من عرب الجزيرة العربية وسكان وادي النيل، يستوجبان وضع حدٍّ لحالة العجز عن أخذ موقف تجاه المسألة الصومالية، ولو على مستوى المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، في حال انشغال الحكومات بالأحداث في المنطقة، وإن كان الموقف المتّخذ يتركز على الجانب المدافع عن الحقوق والكرامة الإنسانية منها. وأثبتت الأيام أن الصوماليين قادرون على علاج مشاكلهم، لكن الوصول إلى حلولٍ نهائية، سيحتاج، بالفعل، إلى الخروج من حالة الاستضعاف المصحوب باعتقادٍ سائدٍ بأن البحث عن "نجدة" عربيةٍ للشعب الصومالي لا تعدو كونها سراباً في حالات، أو مجرّد استجارة من الرمضاء بالنار في حالات أخرى.

avata
محمود محمد حسن عبدي

كاتب ومحلل سياسي صومالي