صورتان للغنوشي

22 سبتمبر 2014

الغنوشي في منتدى دافوس (يناير/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

لرئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، صورتان، واحدة في بلاده وثانية في خارجها. ولهذا، كلما قدم زائر للتعرف على أحوال الحركة الاسلامية التونسية، استغرب من حدّة الانتقادات اللاذعة الموجهة للغنوشي، من أطراف متعددة، ومن مواطنين عاديين، وتتكرر حالة الدهشة مع تونسيين عديدين، مفكرين وسياسيين وناشطين مدنيين، عندما يشاركون في مؤتمراتٍ إقليمية ودولية، أو يلتقون بزملائهم من خارج البلد، ويجدون مدحاً كثيراً لرئيس حركة النهضة، ويصفونه بالاعتدال والحكمة.
على الرغم من أن استطلاعات الرأي، ذات الطابع السياسي، لا تزال تعتبر من التقنيات حديثة العهد في تونس، وحولها جدل واسع ومستمر، يتعلق بمدى مصداقية النتائج، التي يتم التوصل إليها. لكن، مع ذلك، توجد ملاحظة تتكرر في الاستطلاعات، التي شملت الغنوشي، والتي تجعله في مراتب أخيرة، خصوصاً بشأن درجة الثقة في الشخصيات السياسية، في حين يتمتع الرجل بمكانة مرموقة خارج تونس داخل الأوساط الأميركية والأوروبية، وحتى العربية، تعززت خصوصاً بعد استقالة حكومة الترويكا بقيادة "النهضة"، والانتهاء من صياغة دستور توافقي. فصحف أميركية وصفته بأنه"مانديلا تونس"، ومحمود عباس طلب منه التوسط مع حركة حماس. واستقبله الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ليشجعه على تكثيف جهوده في المساعدة لحل المشكلة الليبية، نظراً لعلاقاته الجيدة بأطراف متعددة، وخصوصاً الأحزاب والجماعات ذات التوجه الإسلامي الحركي في ليبيا.
في مقابل هذه الصورة الإيجابية، الرائجة دوليّاً وعربيّاً، تتهمه أوساط سياسية وفكرية في تونس بأنه المسؤول الأول عن انتشار العنف السياسي والديني، ويعتقد بعضهم أنه ساهم في تصعيد منسوب التوتر الاجتماعي والثقافي، نتيجة الخوف من احتمال تغيير نمط المجتمع. ويذهب بعض خصومه، مثل أوساط أقصى اليسار والقوميين، الى اتهامه بالضلوع في اغتيال شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي.
يثير هذا التناقض بين الصورتين أسئلةً عديدة، وفي الآن نفسه، أصبح يمثل مصدر إزعاج وقلق لراشد الغنوشي وحركته. ولعله يعتبر من بين عوامل كثيرة جعلته يحجم عن ترشيح نفسه لأي منصب تنفيذي أو تشريعي، خشية حصول مفاجأة غير سارة له ولـ"النهضة".
هناك من يعتقد أن التونسي شديد الحساسية، يحكم بالظاهر، وهو يتعامل مع الشخصيات السياسية بمقاييس مختلفة عن المعهود في الأوساط المحترفة. فالصورة مهمة جداً في بناء الزعامة وتثبيتها، وتوسيع دائرة التأثير الجماهيري. الصورة بالملامح الدقيقة للوجه مهمة جداً لترسيخ الشعور بالاطمئنان وتآلف المشاعر. كما أنها، في المقابل، يمكن أن تشعر الناس بالخوف وعدم الارتياح. وهذه من معضلاتٍ يعاني منها قادة حركة النهضة، خصوصاً في مراحل التعبئة والدعاية. فالأغلبية الساحقة للصور الأكثر رواجاً لرئيس الحركة تعطي انطباعاً غير مريح لدى الناس. فهو نادراً ما بدا ضاحكاً. وجهه صارم، وعيناه تجعلك متحفزاً، ونظرته قاسية في دلالاتها. ومهما كانت التأويلات، فالصورة انعكاس للشخصية. هكذا يقول علماء النفس.
وقد تكون لمسألة الصورتين المتناقضتين علاقة بمجمل المواقف، التي عبر عنها رئيس حركة النهضة طوال مسيرته، إذ له رصيد واسع في مجال الكتابة والتصريحات المتضاربة أو المتباعدة في مضامينها حول مسائل كثيرة، وقد تكون مهمة ومصيرية. فقد يتدخل المزاج وملابسات اللحظة وموازين القوى في تكييف الموقف، أو الانتقال به من النقيض إلى النقيض، ما يجعل الرأي العام، وخصوصاً الباحثين، يشعرون بالاضطراب في معرفة المواقف النهائية من القضية. قد يكون ذلك رغبة من الغنوشي في كسب الطرف المقابل في لحظة محددة، أو راجعاً إلى نزوعه نحو مسك العصا من الوسط، لحماية وحدة حركته، أو عدم اكتمال مقومات الموقف النهائي من المسألة المطروحة عليه.
مهما كانت التأويلات، وهي كثيرة، فإن إشكالية الصورتين المتناقضتين مطروحة، في انتظار أن تستقر الأفكار عند الرجل، وأن يأخذ موقع حركة النهضة وضعاً نهائياً في المجتمع والدولة.  

 

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس