شهادات صحافيين مصريين عن تحريف مهنة "البحث عن الحقيقة"

شهادات صحافيين مصريين عن تحريف مهنة "البحث عن الحقيقة"

28 يونيو 2014
"صحافيون ضد الانقلاب" أمام مقر رابطة الصحافيين المصريين
+ الخط -
يقول أحد الصحافيين المصريين: "هم لا يبحثون عن الحقيقة.. ولا وجود للحقيقة، لأن رؤوس الأموال تتحكّم في سياسة التحرير". حسمت كلماته هذه موقفه من مكان عمله، وجعلته يترك الصحيفة التي كان يعمل فيها. ولا يزال آخرون تائهين في مهنة تُعرف بمهنة "البحث عن الحقيقة".
يشبه حال ذلك الصحافي حال عشرات الصحافيين المصريين بعد 30 يونيو/حزيران، الذين تعرّضت تقاريرهم الصحافية للتحريف والمنع من النشر، بما يتماشى مع السياسة، التي بدا لاحقا أنه متفق عليها بين أغلب وسائل الإعلام والصحف المصرية: تشويه صورة الآخر، وتعمّد اهمال الحديث عن أية خطوة إيجابية أحيانا، كانت تتخذ في عهد الرئيس المعزول، محمد مرسي، وسعي إلى تشويه تلك التحركات في أحايين أخرى. كذلك محاولة تضخيم بعض الأحداث، ونشر الشائعات. وسرعان ما اتضّح بعدها أن ذلك كله كان هيّنا بالمقارنة بما حدث في أعقاب 30 يونيو/حزيران، من تعتيم إعلامي ومن تزييف عقول المواطنين، وشحنهم ضد فئة من المجتمع.

اليوم نترك المجال لعدد من الصحافيين، الذين يدفعون ثمن يقظة ضمائرهم، ويروون بعض ما تعرّضت له كتاباتهم عقب الانقلاب، ولكنهم طلبوا عدم نشر أسمائهم نظرا لاستمرار بعضهم في عمله في تلك المؤسسات الصحافية، بسبب الظروف الأمنية التي تضيّق على أي رأي مخالف للنظام الحالي.

مذبحة الحرس الجمهوري

الصحافي الأول كان يعمل في إحدى الصحف الخاصة واضطر إلى الاستقالة لأن ضميره لم يسمح له بتزييف الحقيقة، ويصف تلك اللحظة بقوله: "كانت لديّ مشكلة كبيرة في التكيّف مع السياسة التحريرية للصحيفة، وقرّرت وقتها أنه ليس في إمكاني الانتظار".
ويقول هذا الصحافي، الذي كان يعمل في قسم القصص الإنسانية: "كنت موجودا أثناء مذبحة الحرس الجمهوري الثانية في 8 يوليو/تموز الماضي. وكنت الصحافي الوحيد الموجود هناك خارج نطاق صحافيي جماعة الإخوان".
جمّع محدثنا شهادات من المعتصمين وأرسلها إلى الصحيفة، ولكنْ تم تغيير التقرير وإلغاء الباقي منه، ولم ينشر من 2500 كلمة – صفحة كاملة - سوى 340 كلمة فقط.."رئيسي في العمل يعرف توجّهي السياسي وأني ضد أيديولوجية جماعة الإخوان، ولكنه غيّر التقرير الذي كتبته".
يتحدّث عن شعوره، في تلك اللحظة، ويقول: "هذه المرة وجدت أن ضميري يأبى التغيير في ذلك الموضوع، فأنا لم أكتب مقالا، بل قصة إنسانية، والقصة الإنسانية لها أسس مهنية".
بمجرد نشر التقرير بشكل محرّف، قرّر زميلنا ألا يستمر في العمل في تلك الصحيفة. ويقول: "أنا في الأساس مهندس، ولكني أحبّ الصحافة، وهي بالنسبة إلى المستوى المادي في المرتبة الثانية أو الثالثة، ولكن المركز الأول بالنسبة إليّ هو الحقيقة ثم الحقيقة ثم الحقيقة".
ولكن يتم النشر بحسب ما يتماشى مع مصلحة المموّل، "وهنا تتحوّل المهنة من مهنة البحث عن الحقيقة، إلى مهنة تتحكم فيها الأهواء"، هذا ما يراه..
"(كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَة). أنا سأحاسب على ما أكتبه، ولذلك قرّرت أن أذهب للعمل في مكان آخر، ولكنني قرّرت أيضا أن أترك العمل في السياسة، وتخصّصت في المجال العلمي".

ساطور النهضة

صحافية أخرى في صحيفة حزبية، تتذكر التضييق الذي مورس على عملها منذ أكثر من عام، خلال تغطيتها أحداث قصر الاتحادية، وتقول: "رئيس القسم السياسي أصرّ على وصف أنصار جماعة الإخوان المسلمين بـ(الميليشيات) في التقرير الذي كتبته، وهو ما رفضته، وأدى ذلك إلى انقطاعي عن العمل ثلاثة أسابيع".
بعد الثالث من يوليو/تموز الماضي والإعلان عن خارطة الطريق، زادت حدّة المعاناة. تقول: "واجهت العديد من المضايقات، التي وصلت إلى حدّ التهديد بفصلي من العمل، وسحب أوراق قيدي من نقابة الصحافيين، لذا لم يكن أمامي سوى التغيّب عن العمل في الأيام التالية للأحداث الدموية، كأحداث رمسيس وبين السرايات والحرس الجمهوري، كوني أعلم جيدًا أنني سأطالب بكتابة ما ينافي الحقيقة، ما كان يشكل عبئا نفسيـّا عليّ".
ومن المواقف التي لا تغادر ذاكرتها، تقول: "لا يمكن أبدا أن أنسى يوم ذهابي إلى اعتصام نهضة مصر في رمضان، وتصويري أحد المعتصمين وهو يمسك بساطور استعدادًا لذبح عجل بغية إفطار المعتصمين، وكتبت حينها ما رأيته لأفاجأ بتغيير نص الخبر وقصّ الصورة وحذف العجل منها، وترك المعتصم حاملًا الساطور ليُكتب أسفل الصورة "معتصمو النهضة يشهرون الأسلحة البيضاء في وجه أهالي بين السرايات".
تستطرد قائلة: "المفارقة العجيبة كانت في استدعائي يوم نشر الخبر المحرّف، من قبل رئيس التحرير للتحقيق معي بتهمة تأييد جماعة الإخوان المسلمين وكتابة ما يخالف السياسة التحريرية وتهديدي بالفصل، محاولا إقناعي بأن ما حدث في 30 يونيو/حزيران هو ثورة وليس انقلابا".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.. فزملاء الصحافية من المؤيدين للانقلاب في مكان عملها، وقّعوا على بيان ضدها، وصفوها فيه بـ"الإرهابية" التي تُمثل أفكارها "التكفيرية" خطرًا عليهم، مطالبين بفصلها وفصل مَنْ له انتماؤها نفسه، من الصحيفة، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بمراقبة حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مما اضطرها بعد ذلك إلى إلغاء صداقتهم ثم "حظر" كل مؤيدي الإطاحة بالرئيس المنتخب.

مجزرة رابعة

صباح "مجزرة الفض"، حاولت صحافية في إحدى الصحف الخاصة الدخول إلى مقر الاعتصام لتغطية الأحداث، وهي تعلم أن صحيفتها الخاصة لن تهتم بنشر الحقيقة، إلا أنها قامت بعملها المطلوب منها، وأرسلت مجموعة من صور الضحايا والشهداء مرفقة بتقرير يلخّص وقائع المجزرة.
"للحظة كنت أظن أن أقل مبادئ الإنسانية ستجعل القائمين على الصحيفة يسارعون إلى نشر الحقيقة التي رأيناها، إلا أني فوجئت بأن التقرير، الذي أرسلته، لم ينشر ولم تنشر كذلك أية صورة للشهداء. ورغم بشاعة الحدث فإن الصحيفة ذكرت أن أنصار الرئيس المعزول هم من بادروا بإطلاق الرصاص على قوات الأمن، على خلاف ما ذكره شهود العيان. كما أنها ساوت بين الطرفين (قوات الأمن) و(المعتصمين) في ما يتعلق بسقوط الضحايا أو المصابين، واكتفت بنشر صورة لبعض المعتصمين الذين ألقي القبض عليهم."

المساهمون