شبكة "الحدود": سخرية الزمن الرقمي ورقياً

10 مايو 2019
بدأت فكرة موقع "الحدود" عام 2013 (حسين بيضون)
+ الخط -
انبثق في السنوات الأخيرة مئات المواقع والوسائل الإعلامية التي تطرح نفسها كبديل عن الإعلام التقليدي، وتعد بالجديد والمختلف في كل مرة يتم الإعلان فيها عن موقع ناشئ، لينهار بعد فترة أو يغوص في سوق الصحافة ومتطلباتها وشروط الممولين وتدخلهم في سياسات التحرير وتوجهات الموقع.

في سورية وحدها صدر ما يقارب الـ 600 وسيلة إعلامية، اندثر منها 400، وتبقى 200، من بينهم 17 فقط دخلت في منافسة مع عشرات آلاف المواقع العالمية المفهرسة على "غوغل نيوز". هذا بعيداً عن توقف كبريات الصحف العربية والدولية عن إصدار نسختها المطبوعة، بسبب سطوة شبكة الإنترنت وتقدمها على الصحافة المكتوبة ورقمنة الإعلام التقليدي. وقد أدى ذلك إلى تراجع وانحسار عدد قراء النسخ الورقية والاستعاضة عنها بالقراءة الإلكترونية. 

إنَّ تدهور حال الإعلام التقليدي والصحافة الورقية، والتوقعات التي تشير إلى نهاية الصحافة الورقية بشكل كامل مع حلول العام 2020، واختفاء الصحافة المكتوبة في العام 2040، كلّها لم تمنع فريق موقع شبكة "الحدود" الإلكتروني من "تأبين موت الصحافة الرقمية" والإعلان في 5 مايو/ أيار الحالي عن إصدار النسخة الورقية عدد صفر لجريدة "أوراق الحدود" ونية إصدارها في الأول من كلّ شهر.

وجاء في رسالة المحرر في العدد صفر أنّ "الزمن الذي تذبل فيه الصحافة الورقية والأوراق بشكل عام، وتغادر رفوف الباعة وتنسل من بين أيدي القراء ومن تحت آباطهم إلى مزابل الحارات، لتتراجع وينحصر دورها في إعادة تدويرها لتصبح ورق حمام، قررت (الحدود) الذهاب إلى الحج والناس عائدون، واتخذت قرارا راديكالياً عشوائياً مدروساً بإصدار أول نسخة ورقية من مجلتها تمام هذه التي تمسكونها بأيديكم".

السخرية الواقعية ومصادرها
سوريالية الواقع في سنيه الأخيرة ولاجدوى المحاولات الجدية للمواقع الإعلامية في تناول أحداث هذا الواقع وتغطيتها، دفعت مجموعة من الشباب في الأردن في عام 2013 إلى إنشاء موقع ساخر ينتقد الواقع، ويتجاوز حدود الصحافة التقليدية في المحتوى الذي تطرحه، من خلال إعادة طرحه بسخرية. وهو الأمر الذي شكل منذ انطلاقة الموقع حتى الآن التباساً وإرباكاً، مقصوداً، للقارئ، بمجرد قراءته لعنوان مقال ما في الموقع، قبل تجاوزه إلى متن المقال.

على سبيل المثال مقال بعنوان "سوريا تنفي علمها بوجود أسرى لها في إسرائيل"، يأخذه أحدهم ويشاركه من صفحة الموقع ظناً منه أنه حقيقي، بيد أن متن المقال ساخر وناقد لتصريحات وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم حول مسألة "الرد في المكان والزمان المناسبين"، وتهكم من موقف النظام السوري "المعلوك" في الحفاظ على سيادة سورية "حتى لو اضطرّ للتخلي عن الجولان".

هذا الالتباس بين الجدية والهزلية يوضح تحديدًا مدى فظاعة الواقع الذي نحياه، ومدى هشاشة قابليتنا للتصديق، عبر تداولنا الكثير من الأخبار المزيفة المبثوثة في المواقع الإخبارية الملتزمة بـ "الحياد والمصداقية" في نقلها للأخبار. وهذا ما يجعل واقعنا وحياتنا، هما المصدر الأول والأخير للمواضيع التي يتناولها، ساخرًا، موقع "الحدود". فما هو مقدار التمييز لقارئ سريع بين الجد والهزل لمقال معنون بـ " الأردن يكاد يصبح أكبر وجهة لسياح الجيش الأميركي في المنطقة"؟
ليست السياسة وحدها مادة الموقع الوحيدة، بل تتعداها إلى غيرها في باقي أقسام "الحدود"، فتجد مواضيع اجتماعية ورياضية، "من دون استثناء لفكرة أو قضية من النقد والسخرية"، كما تقول سياسة الموقع التحريرية.




عودة الطباعة للصحافة
لم تذهب الصحافة حتى تعود، إنما لم تعد تطبع ورقياً. فكثير من الصحف تخلت عن هذا الفعل، ووجهت اهتمامها للمواقع الإلكترونية وركزته في موضوع الصورة والفيديو على حساب محتوى الأخبار والتحري عن صحتها. شبكة "الحدود" مضت خلفاً، أو عكس التيار، في خطوة يعتبرها كثيرون خاطئة وغير مدروسة، بسبب قيامها بطباعة أول نسخة من جريدة "أوراق الحدود".

والصحيفة الساخرة "شهرية/ جادة/ حقيقية" تصدر من لندن وتديرها شبكة "الحدود"، ولم تُطبع من أجل العودة إلى الصحافة الورقية، بل إنّ "فكرة طباعة الجريدة هي طريقة جديدة لإيصال محتوى الجريدة للجماهير، وهو ما يعطي قيمة أكبر لمساعدتنا ودعمنا من خلال جمهور القراء"، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" محرر الشبكة، عصام عريقات.

وتأخذ "أوراق الحدود" شكل الجريدة الورقية الكلاسيكية بتقسيماتها (سياسة، اقصاد، دراسات، حصاد الإعلام، الحدود في التاريخ، رياضة وصحة، رأي، تسالي وكلمات متقاطعة، إعلانات، من القراء). وكل المواد المنشورة تحمل الطابع التهكمي والساخر في التعاطي مع الأحداث والمواقف والشخصيات. فجاء المانشيت للعدد صفر يقول "حل أزمة تنظيف زجاج النوافذ بعد سنوات من تراجع الصحافة الورقية".



النسخ الساخرة المشابهة
كما المواقع والصفحات الإعلامية الجادة، برزت أيضًا تجارب لمواقع وصفحات إلكترونية ساخرة، ولكنها لم تَدُم. إما بسبب ضعف محتواها أو لتفاقم الأوضاع بشكل لم تعد معه السخرية ذات نفع. بالنسبة لـ"الحدود"، لا يمكن نسبها إلى موقع آخر لتكون هي النسخة العربية منه مثلما تجري العادة في عدد من البرامج والمواقع. ولكن يمكن مشابهته للموقع الأميركي THE ONION من حيث السخرية في طرح المواضيع.

إذ تتبع "الحدود" مجال السخرية لأهدافٍ متعددة، بينها نقد الواقع وفضح مدى لاواقعيته وغربتنا عنه في تصديقنا أتفه الأمور. فلا سخرية من أجل السخرية فقط، ولا سخرية من أجل إثارة الجدل فحسب، ولا تعرض أو هجوم تهكميا على الفئات المستضعفة، بل "نلتزم عند الكتابة عن طرفٍ مستضعفٍ في عالمنا بتسليط الضوء على قضاياه ومنهجية تفكيره للعمل على تجاوزها لا النيل منها"، بحسب "الحدود".

حتى الآن، تمد الشبكة بالمقالات والكتابات الساخرة التي تسخر من كل شيء، وتتبنى رؤية تجديدية تهكمية في طرح المواضيع. في الوقت الراهن، هي تدافع عن الحق في الضحك والسخرية من أجل حقوقنا المهدورة.





دلالات
المساهمون