سياسة الجهات السماوية

23 فبراير 2015
+ الخط -

ما بين قبلة للمؤيّدين، ورصاصة للمعارضين بكل أطيافهم، تدور عجلة السياسة والنظام الحاكم المصري بعد يونيو/حزيران 2013، فمنذ ذلك التاريخ، وهناك جهات تحوّلت من جهات سيادية إلى جهات سماوية لا يمكن اعتراض طريقها، أو الوقوف أمام رغباتها، وإلا أصبحت خائناً وعميلاً وطابوراً خامساً (مع إني مش عارف مين هم الأربع طوابير التانيين)، وقد توصف بأنك خلية إخوانية نائمة، والغريب أن ذلك الوصف يأتي ممن يصفهم اللمبي (أكلين سارقين نايمين معاك من أيام الشورت ورحلات فايد).
وما يثير العجب والدهشة أن تلك الجهات السماوية، أقصد السيادية، من المفترض أن تكون جهات حيادية لا تميل كفتها ناحية طرف دون آخر، ولكن هيهات، فما يحدث في المحروسة لا يمت إلى ذلك بصلة، بل قد يمتد الأمر إلى وصفك أحد عناصر المؤامرة الصهيوأميركية (أه نسيتم إضافة تركيا وقطر إلى هذا الخطاب، لتصبح الصهيوأميركية التركية القطرية، بس مش كتير كده)، ومحاولة إثبات حبّك وانتمائك وخوفك على البلد، في هذه الحالة التي لا يمكن تصديقها إلا بشهادة من اثنين موظفين، يكونان من مؤيدي النظام، ويحفظان النشيد الوطني (مش بلادي بلادي، لا، طبعا تسلم الأيادي). وبعد سلسلة مداولات ومهاترات، وبعد شهادة إثبات حُسن النيات التي صدّق عليها الموظفان إياهما، تفتح الستائر وتسلط الكاميرات، وتبدأ مسرحية النقاش، ربنا يستر.

يبدأ النقاش، وهناك تحفز مسبق من الطرف الآخر لتقديم المبررات والبراهين على أية أخطاء أو سقطات أو إخفاقات. ومع مرور الوقت، يزداد دخان السجائر وأكواب الشاي مع ارتفاع الأصوات في مشهد سينمائي، وطبعاً بعض المصطلحات على غرار (انتوا عشمانين إنه يرجع) مع إضافة أنت (ماشوفتش سورية والعراق عايزنا نبقي زيهم هاه)، ويرد واحد ساكت من أول الحوار، بعد ما حرق سيجارتين أو ثلاثة (لغاية الجيش، وأعمل ستوب ده اللي حميني وحميك ولا إيه؟)، ومع أني لم أتحدث في عودة محمد مرسي، ولا جبت سيرة سورية ولا العراق (كلنا عندنا ولايا، وعلموني أن النميمة حرام)، بالإضافة إلى عدم ذكري سيرة الجيش، لكن الزجّ باسم تلك الجهات والتعليق على شماعة سورية والعراق، ما هو إلا ترديد لأحاديث الإعلام، إحدى الجهات السماوية، غير القابلة للنقد في نظرهم، فمهما حصل، يكفي دور الإعلام في رجوع مصر إلى حضن أولادها، (ولا كنت عاوز البلد تضيع؟).
وهنا، يأتي المشهد الأخير، فيظهر ذلك الرجل الرشيد ممسكاً مصباح أفلاطون، كاشفاً الحقيقة للجميع، ويلقي كلمة النهاية، ويسدل الستار على ذلك الحوار، قائلاً: "ملعون أبو السياسة اللي هتخسرنا بعض، دي إحنا عشرة عمر يا ولاد التييت". ويصيح: "يالا يا عم الزفت إنت وهو نروح عند أسامة، نلعب ماتشين بلاي ستيشن، بس أنا هالعب بالريال". وطبعاً، المقصود ريال مدريد. وتوتة توتة تخلص الحوارات الملتوتة بين شباب في قاعدة سياسية صغنتوتة بيفض الاشتباكات السياسية والحوارات في مشاكل البلد بماتش بلاي ستيشن، ويقبل إهانة رموزه وممكن شتيمة للأب والأم يعديها، لكن جهاته السيادية سابقاً، السماوية حالياً، غير قابلة للنقض. سيبك إنت طول الطريق، وأنا بفكر أنا مش عارف ألعب ببرشلونة، ولا مانشستر؟ يا رب النور ما يقطعش عند أسامة.

avata
avata
محمود لطفي (مصر)
محمود لطفي (مصر)