التشخيص الخاطئ

التشخيص الخاطئ

01 مايو 2015
+ الخط -
من الدروس التي تعلمناها في كلية الطب أن التشخيص الصحيح أساس الدواء الناجح والعلاج المفيد للمريض، وبالعكس، إن كان التشخيص خاطئاً لا يمكن أن يكون العلاج ناجحاً. لذلك، يجب أن يستمع الطبيب جيداً لشكوى المريض، ويقوم بالفحص الإكلينيكي بصبر وهدوء، ثم يطلب التحاليل والأشعة اللازمة، ليصل إلى التشخيص الصحيح، قبل وصف العلاج.
وإذا عاد المريض، بعد استعمال الدواء بالشكوى السابقة نفسها، وبلا تحسن، فيجب على الطبيب إعادة ما سبق، من البداية، فيعيد الاستماع إلى الشكوى، ..و....و...إلخ، فقد يكون التشخيص الذي توصل إليه، في المرة الأولى، خاطئاً. وأسوأ الأطباء، وعذراً من الزملاء، هو من يصر على تشخيصه السابق، على الرغم من عدم استفادة المريض، فيزيد جرعة الدواء، ويعنف المريض معتقداً خطأه في استعمال الدواء! فينصرف المريض ويعود، بعد فترة أخرى، ومازال يعاني، وأيضاً يصر الطبيب على علاجه السابق، ما قد ينتهي بكارثة في النهاية، ويفقد المريض حياته، نتيجة التشخيص الخاطئ وعناد الطبيب.
وإذا كان خطأ الطبيب، هنا، جريمة يعاقَب عليها مهنياً وإنسانياً وأخلاقياً، ففي حياتنا العامة ما أكثر التشخيصات الخاطئة التي تقع فيها الأنظمة والحكومات، وتودي بحياة الأمم والشعوب.
إن تعامل النظام مع ما يحدث في سيناء أشبه بالطبيب الذي يعاند ويرفض إعادة النظر في تشخيصه السابق، ويصر عليه، على الرغم من عدم نجاحه. نتذكر جميعاً أن النظام الحاكم في مصر، في محاربته الإرهاب، أعلن أن وجود الأنفاق هو السبب، ثم قرر هدم الأنفاق وإنشاء منطقة عازلة بعمق 500 متر، وهدم المنازل وتهجير السكان وعلى الرغم من تحذيرات أطلقها كثيرون من خطورة هذه الخطوة، وعدم نجاحها، بالإضافة إلى عدم إنسانيتها ومخالفتها الدستور من تهجير قسري للمواطنين، إلا أن صخب الحفلات التي أقامها دراويش النظام كانت أكبر من أي صوت للعقل، وتم ما أراده النظام، ولم يتوقف الإرهاب، وأصر النظام على عناده، وتم توسيع المنطقة العازلة إلى عمق 1000 متر. وللأسف، استمر الإرهاب، ولم يراجع النظام خطأه، بل يزيد، الآن، المنطقة العازلة إلى 3000 متر، وهدم رفح القديمة والشيخ زويد بالكامل، فهل يتوقع النظام أن تتوقف العمليات الإرهابية، إن فعل ذلك؟
وفي النهاية، هناك ملاحظتان. الأولى: أن النظام نفسه هو من كان يرفض، في البداية، استخدام هذا العلاج، ويعلم فشله، وأن آثاره الجانبية أشد خطراً من المرض نفسه، كي لا يخلق حالاً من الثأر الدائم بين النظام وأهالي سيناء. ولكنه يصر، الآن، على العلاج نفسه، فلماذا ولمصلحة من؟
الثانية: لا يمكن أن ننسى أو نتناسى الدور البطولي والشجاع والمهم لأهالي سيناء، طوال فترة الاحتلال الإسرائيلي، ومساندتهم وتضحياتهم مع رجال القوات الخاصة والصاعقة في تنفيذ عملياتهم خلف خطوط العدو خلال حرب الاستنزاف، وكذلك مساندتهم ومساعدتهم القوات المسلحة في حرب 73، فهل يكون المقابل ما نراه، الآن، من هدم للمنازل وتشريد للسكان وقتل للأهالي؟ هل يكون التشخيص والعلاج الخاطئ من النظام هو المقابل لتضحياتهم؟     
avata
avata
محمود لطفي (مصر)
محمود لطفي (مصر)