سد النهضة: الخلافات الفنية والقانونية تهيمن على المفاوضات الثلاثية

17 يونيو 2020
ترفض إثيوبيا مشاركة مصر في إدارة السدّ(إدواردو سوتيراس/فرانس برس)
+ الخط -
ما زالت الخلافات مسيطرة على المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة. فعلى الرغم من البيانات السودانية المتتالية المبشرة بحدوث تقدم على الصعيد الفني والانتقال إلى النقاشات حول الطبيعة القانونية للبنود التي سيتم التوافق عليها، وإحالتها للفرق القانونية المختصة بالدول الثلاث لمناقشتها، ابتداء من أمس الثلاثاء، إلا أن المصادر المصرية والإثيوبية تُجمع على استمرار الخلافات بين مطالب ومحددات البلدين في أي اتفاق سيتم توقيعه. ورجّحت في تصريحات لـ"العربي الجديد"، في المقام الأول، أن يتطلب الأمر تدخل رؤساء الحكومات، وفي المقام الثاني أن يتم تأجيل حسم بعض القضايا إلى ما بعد الملء الأول للسد. وحول مجريات المفاوضات، ذكر مصدر فني مصري بوزارة الري لـ"العربي الجديد"، أن الاجتماع الذي كان من المنتظر أن يحسم الأمور الفنية العالقة، يوم الاثنين الماضي، لم يحسم إلا النزر اليسير منها، مع عدم تحقق توافق كامل بين مصر وإثيوبيا على المسودة التوافقية التي أعدّها السودان، نظراً لاعتراض القاهرة على مسائل ذات صلة بكميات التدفق في فترات الشح المائي وانحسار الفيضان، واعتراض أديس أبابا على كميات المياه المقترح تخزينها في كل مرحلة من مراحل الملء، والتي تمت إعادة توزيعها بصورة تضمن للسودان ومصر فترة أطول في كل مرحلة لتدبير احتياجاتهما المائية خلال الفترات الفاصلة بين مراحل الملء.

وأضاف المصدر أن جميع ما تم الاتفاق عليه بالفعل يتمثل في: قواعد الملء الأول، وحجم التدفق البيئي، والمبادئ التوجيهية للملء الأول، والقواعد العامة لإدارة فترات الجفاف، وقواعد سلامة السد والمساعدة في استمرار تشغيله، ودراسات التقييم، وموعد تطبيق تلك القواعد. وأوضح أن هذه المواضيع لا تتعارض مع البنود التي ما زالت في إطار التفاوض، والتي هي بطبيعتها أكثر تفصيلية، مؤكداً أن السودان لم يكن ليهتم بمثل تلك البنود نظراً لعدم وقوع ضرر كبير عليه منها. وأشار إلى أن السودان لا يتضرر من نقطة الخلاف الخاصة بإبقاء منسوب المياه في بحيرة سد النهضة ضامناً لاستمرار قدرته على إنتاج الكهرباء، وهو أمر تجادل مصر بأنه غير عادل إذا انخفض مقياس المياه في بحيرة ناصر عن 165 أو 170 متراً، في خلاف آخر بين مصر والدولتين، لعدم رغبتهما في الربط بين مؤشرات القياس في سد النهضة والسد العالي، وهي نقطة ما زالت قيد الدراسة.

وأشار المصدر إلى أن مصر قدمت مصفوفة توضح أن التدابير التي تضمنتها مسودة اتفاق واشنطن التي وقعت عليها القاهرة منفردة، تبقي منسوب المياه، إذا توافرت كل حالات الاستثناء من جفاف وتمرير لأعلى نسبة مطلوبة من المياه، عند 605 أمتار تقريباً، علما أن نقطة الجفاف النظرية هي 603 أمتار. وأوضحت المصفوفة أيضاً أن تمرير كمية تراوح بين 37 ملياراً و38 مليار متر مكعب في أوقات الجفاف ستبقي السد ممتلئاً بكمية تصل إلى 23 مليار متر مكعب، وهو ما يكفي تماماً لتوليد الطاقة المطلوبة، الأمر الذي يتعنت فيه الإثيوبيون. أما الإشكاليات القانونية العالقة فتتمثل في عدم قبول إثيوبيا بإلزامية كل بند في الاتفاق المزمع توقيعه، متذرّعة بأن مثل هذا الاتفاق سيكون عرضة في أي وقت للتعديل والتغيير بناء على تنسيق الأطراف الثلاثة، وبالتالي فهي تطالب باللجوء فقط لاتفاق المبادئ الموقع في مارس/ آذار 2015.

لكن المصريين يرغبون في تلافي المشاكل العملية التي أظهرها اتفاق المبادئ، بما يمنع الركون إلى افتراض "حسن النوايا" الذي كان مسيطراً على العلاقات بين الجانبين عند توقيع الاتفاق، فهم يريدون أن يتم التوافق على طريقة واضحة للتحكيم بناء على طلب أي طرف، واختيار عناصر محددة لهيئة التحكيم أو جهة دولية موثوقة لجميع الأطراف، وإزالة العوائق التي تجعل اللجوء السريع للتحكيم مستحيلاً مثل اتفاق الدول الثلاث.

من جهته، قال مصدر إثيوبي من "جبهة تحرير تيغراي" المعارضة لحكومة أبي أحمد، إن المعلومات الواردة من وزارة المياه والطاقة تشير إلى تقارب إثيوبي سوداني واستمرار وجود خلافات بين مصر والصيغ المقترحة من الجانبين، خصوصاً بشأن إلزامية الاتفاق وآلية التحكم في كميات التدفق وتغييرها خلال مراحل الملء الأساسية.

وأضاف المصدر أن تلويح مصر باللجوء الرسمي إلى مجلس الأمن عبر تقديم شكوى رسمية هو عنصر طمأنة للحكومة الإثيوبية، التي ترى أنها متفوقة حتى الآن في الصراع الدبلوماسي بين الجانبين، فمن الناحية العملية لم ترغم دول مجلس الأمن، التي توسطت لمصلحة مصر لاستئناف التفاوض، إثيوبيا على قبول الصياغات التي انتهت إليها مفاوضات واشنطن. بالتالي فالأهم بالنسبة إليها هو خلق مسار للتفاوض ثم الاتفاق، ولو شكلياً، بغض النظر عن محتواه.

وسبق أن لوّح وزير الخارجية المصري سامح شكري، في تصريحات مساء أمس الأول، بلجوء مصر رسمياً إلى مجلس الأمن، وتفكيرها في حلول "سياسية" أخرى إذا استمر التعنت الإثيوبي في المفاوضات الجارية، وهي تصريحات أوقفت اندفاع صفحات تابعة لأجهزة رسمية بالنظام الحاكم للترويج لاستخدام الحل العسكري، رداً على تصريحات نائب رئيس الأركان الإثيوبي عن استعداد جيش بلاده للحرب مع مصر دفاعاً عن سد النهضة. وفي حال تطور الأمر إلى تقديم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنه يجوز لمجلس الأمن عقد جلسات لمناقشة القضايا محل النزاع بين الدول أعضاء الجمعية وإصدار قرارات بشأنها، وكذلك إحالة النزاعات أو طلبات فتوى قانونية بعينها إلى محكمة العدل الدولية.

وفي إبريل/ نيسان الماضي عُقدت ثلاثة اجتماعات بين ممثلين للمخابرات العامة والخارجية والري وخمسة خبراء قانونيين مصريين، جميعهم أكاديميون، للتداول في الأفكار المطروحة للتصعيد القانوني والدبلوماسي للأزمة، مثل إرسال خطابات وشكاوى للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وطرح إمكانية اللجوء للتحكيم الدولي. لكن وبحسب مصدر دبلوماسي، فقد كان هناك إجماع بين المتخصصين الذين تستشيرهم الحكومة على عدم نجاعة مثل تلك الحلول، وأن التفاوض المباشر استناداً لمرجعية صارمة هو الحل الأمثل للاشتباك الواقع حالياً.

وتتمسك إثيوبيا بما تصفه "حق شعبها في استغلال موارده الطبيعية" بإنشاء السد وإنجاز بنائه في الأشهر المقبلة بالتوازي مع بدء حجز المياه عن السودان ومصر لملء بحيرة السد للمرة الأولى في يوليو/ تموز المقبل بنحو 4.9 مليارات متر مكعب من المياه، وهو ما يكفي لتشغيل وحدتين لتوليد الطاقة في المرحلة الأولى التي يمكن وصفها بالتجريبية. وتروّج إثيوبيا لعدم حق مصر في مشاركتها في كيفية إدارة السد إلا بعد الوصول لمستوى التخزين الذي يؤثر فعلياً على حصتها من المياه. مع العلم أن جميع توربينات السد ستكون جاهزة للعمل عند اكتمال تخزين كمية 18.4 مليار متر مكعب، وهو ما يؤدي إلى تناقص منسوب المياه في بحيرة ناصر، جنوبي السدّ العالي، خصوصاً إذا انخفض منسوب الفيضان في العامين المقبلين، ما يعني خسارة 12 ألف فدان من الأراضي القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد كمرحلة أولى، من إجمالي 200 ألف فدان تتوقع وزارة الموارد المائية والري المصرية خسارتها نتيجة المدة الإجمالية للملء.

المساهمون