زلزال تعيينات هادي: قراءات متباينة ومشهد التسوية غامض

زلزال تعيينات هادي: قراءات متباينة ومشهد التسوية غامض

05 ابريل 2016
دلالات عديدة لاختيار الأحمر نائباً لرئيس الجمهورية(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
تمهّد التعيينات المفاجئة التي أجراها الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أول من أمس (الأحد)، وشملت منصب نائب الرئيس ورئيس الحكومة الباب، لاحتمالات عديدة، ولا سيما أنها جاءت في توقيت بالغ الحساسية، يسبق انطلاق عملية وقف إطلاق النار ومحادثات السلام فضلاً عن توالي تصريحات المسؤولين السعوديين حول استمرار التفاوض مع الحوثيين في الرياض والتي كان أحدثها لوزير الخارجية السعودي عادل جبير، أمس الإثنين، بتأكيد وجود تقدم فيها. كما يتوقع أن يكون لها ارتدادات سواء في شمال البلاد أو جنوبها.
واستهدفت التغييرات بصورة أساسية الإطاحة بخالد محفوظ بحاح، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس منذ أبريل/نيسان العام الماضي، ويشغل منصب رئيس الحكومة منذ نوفمبر/تشرين الأول 2014. واستهل هادي نص قرار إقالة بحاح بديباجة تتهم حكومته بالفشل، الأمر الذي عده مراقبون بأنه يعكس البعد الشخصي لهذا التغيير المفاجئ، ويترجم صراعاً بين الرجلين.
وفي السياق، يقول الدبلوماسي اليمني، مصطفى النعمان لـ"العربي الجديد" إنه "لم يكن سراً عدم الانسجام بين هادي وبحاح منذ اليوم الأول، فقد كان رئيس الوزراء المقال نقيضا في الشخصية وأسلوب العمل والانفتاح على الناس". ويلفت نعمان إلى أنه "يجب التذكير أن هادي لم يكن له رأي في اسمي رئيسي الحكومتين (السابقين)، محمد باسندوة وخالد بحاح". ويوضح أنّ "الأول كان اختيار المعارضة حينها والثاني كان حلاً للأزمة السياسية التي انتهت باتفاق السلم والشراكة الوطنية في 21 سبتمبر/أيلول 2014 والذي يتنصل منه كل معارضي أنصار الله على الرغم من أنّ الجميع اعتبره حينها نصرا وطنيا".
ويقول نعمان معلقاً على نص قرار هادي إنه "رغم الديباجة الطويلة وما حوته من تناقضات دستورية إلا أن الغريب اتهام الحكومة بكل أخطاء وكوارث العام المنصرم، وعلى الرغم من ذلك فإنها أقالت رئيسها وأبقت كل الوزراء بل إنها نصت على تعيين رئيس جديد لها ولم تكلفه بتشكيلها كما جرت العادة الدستورية". ويضيف "الملاحظة البارزة هي أن القرار بديباجته كان مُهيناً لشخص رئيس الحكومة المقال خالد بحاح، في سابقة لم تحدث في تاريخ الجمهورية". وتابع "التوقيت مثير للدهشة إذ إن تأويلاته كثيرة، ولن يكشف حقيقة ما جرى إلا خالد بحاح وحده".
وتعد المرة الأولى التي يُعين فيها هادي رئيساً للحكومة من دون التوافق مع الأحزاب المختلفة، إذ قامت المرحلة الانتقالية على اختيار باسندوة في حكومة الوفاق بتوافق الأطراف، وكذلك كان اختيار بحاح، الأمر الذي يجعل من القرار تحولاً مهماً في مسار التسوية.
وكان الحوثيون وحزب المؤتمر الذي يترأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، أبدوا خلال لقاءات ومقترحات منها النقاط العشر التي سُلمت للأمم المتحدة العام الماضي، موافقة على عودة حكومة بحاح بنسختها التوافقية قبل التعديلات التي أجراها هادي أثناء الحرب، وكان اسم بحاح مطروحاً كشخصية توافقية محتملة خلال مرحلة ما بعد وقف الحرب، لكن القرارات قطعت الطريق أمام بحاح كشخصية جاهزة لحكومة في مرحلة انتقالية جديدة.
وفي السياق، اعتبرت بعض القراءات أن هادي ضمن بقرارات إقالة بحاح تحصين موقعه في حال اشترط تحالف الانقلاب تنحيه عن الرئاسة ونقل صلاحياته لنائبه، ولذا قام باختيار نائب يعتبر خصماً بارزاً للانقلابيين يدفعهم للقبول ببقاء هادي كـ"أخف الضررين".
وقفزت تعيينات هادي بالشخصية العسكرية المثيرة للجدل، الفريق علي محسن الأحمر، إلى موقع الرجل الثاني في الدولة، الأمر الذي يثير احتمالات عدة. يرى مراقبون أن تعيين الأحمر يضع العقبات أمام التسوية مع الحوثيين باعتباره الخصم العسكري الأبرز لهم منذ سنوات. في المقابل يرى آخرون أن القرار يقوي الصف العسكري والقبلي والسياسي المؤيد للشرعية في المحافظات الشمالية على وجه الخصوص، إذ إن عدداً غير قليل من القيادات الميدانية مصنفة على أنها قريبة من الأحمر، وتحديداً حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يمتلك قاعدة في المقاومة الشعبية والمناطق المحررة.

وقد تباينت التفسيرات الأولية لقرار هادي باختيار الأحمر، وربُط أصلاً بإرادة التحالف العربي، والرياض على وجه التحديد. وعلى الرغم من أنه يمثل صفاً في فريق الشرعية، فإن قطاعاً واسعاً من المتوقع أن يعارض توسع دور الأحمر في المرحلة المقبلة، وفي مقدمة ذلك القوى المحسوبة على الحراك الجنوبي، والتي تعتبره جزءاً من النظام السابق، وكذلك بالنسبة للحوثيين، وبالتالي فإن التعيين قد يطيل عمر هادي بالرئاسة نتيجة الخلاف الناتج حول الرجل الثاني، خلافاً لبحاح الذي كان مقبولاً إلى حد ما من قبل الحوثيين.

ومن زاوية أخرى، صعّد التغيير الجديد اسماً جديداً إلى رئاسة الوزراء وهو أحمد عبيد بن دغر، الذي يتحدر من محافظة حضرموت وكان إلى أبريل/نيسان العام الماضي الرجل الثاني في حزب المؤتمر بقيادة صالح، إذ قام الحزب بتصعيده إلى منصب النائب الأول خلفاً للرئيس هادي في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
خلال المرحلة الانتقالية شغل بن دغر منصب وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، ويحمل تعيينه رسالة ذات أبعاد مختلفة، فهو من ناحية الأقرب للحزب الذي انشق عنه وأعلن تأييده للتحالف، ومن ناحية أخرى، يأتي تعيينه ليزيد الانقسام في حزب صالح، ويقوي الجناح المؤيد للشرعية. وفي السياق، أعلن حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يترأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، فصل خمسة من قيادات الحزب، المؤيدين للتحالف العربي، وفي مقدمتهم هادي وبن دغر.
كما يعتبر التغيير الذي سبق موعد انطلاق محادثات الكويت بأسبوعين، أمراً شديد الحساسية من المتوقع أن يؤثر على مسار الحوار المقبل، إذ أبعد التغيير بحاح، الذي كان مؤهلاً لقبول الطرفين به لمرحلة انتقالية، فضلاً عن أن أي تغيير حكومي من المفترض أن يتم كنتيجة لأي اتفاق تسوية، بعدما أصبحت أغلب المؤشرات تصب في خانة السير باتجاه حل سياسي، وإنهاء الحرب.
ويرى الصحافي والمحلل السياسي، محمد العلائي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن القرارات "خطوة يلفها الكثير من الغموض وترسل إشارات متضاربة بخصوص الأزمة والحرب، ومثلما يمكن قراءتها على أنها خطوة تصعيدية تجهض مساعي التوصل لحل سياسي، يمكن قراءتها أيضاً بطريقة أخرى واعتبارها إجراء ربما يمهد للسير في المفاوضات".
من جهته، يعتبر سفير اليمن السابق في سورية، عبدالوهاب طواف، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "القرارات الأخيرة صائبة وتصب في مصلحة استعادة اليمن سواء بحرب أو سلم". وفي إشارة إلى التغيير الذي أحدثه القرار بجعله منصب النائب لشخصية من المحافظات الشمالية في مقابل تحدر الرئيس هادي من محافظة جنوبية، يرى طواف أن القرارات جاءت بـ"توازنات صحيحة تعكس الوضع الميداني السياسي في البلد". ويضيف أن "الوضع السابق مختل في توازناته السياسية والديموغرافية، الأمر الذي أعاق كثيرا من المحاولات الجادة لاستعادة اليمن من الانقلابيين".

المساهمون