اليمن: قوة تحالف الانقلاب في تعز تزيد شهيّته للانفصال

اليمن: قوة تحالف الانقلاب في تعز تزيد شهيّته للانفصال

04 ابريل 2016
يدفع أهالي تعز ثمن المعارك المشتعلة (أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -
ما إنْ يصل الحوثيون وقوات الرئيس اليمني المخلوع، علي عبدالله صالح، إلى حدود مناطق الوازعية جنوب غرب تعز، حتى تشتعل معارك ضارية في جميع مناطق الشريط الحدودي الرابط بين محافظتَي تعز الشمالية ولحج الجنوبية. هذا ما حدث أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، ويتكرر، اليوم، مع اقتراب الحوثيين من السيطرة على مديرية الوازعية التي سبق وأنْ طُردوا منها.

وبالتزامن مع تواصل عملية تقدم مسلحي الحوثي وقوات صالح في اتجاه مركز مديرية الوازعية، بعد معارك عنيفة مع "المقاومة الشعبية" هناك، فإنّ معارك لا تقل شراسة اندلعت، أمس الأول السبت، في منطقة كرش الواقعة بين محافظتَي تعز ولحج من الجهة الجنوبية. وتحدثت مصادر محلية عن مقتل 6 وإصابة آخرين من عناصر "المقاومة الجنوبية" في منطقة كرش، في أثناء صد "المقاومة" لهجوم واسع شنّه مسلحو الحوثي المسنودون بقوات موالية للمخلوع صالح، مما أدّى إلى سقوط عدد كبير في صفوف الانقلابيين.

ويأتي هذا الهجوم، مع ارتفاع وتيرة المعارك في مديرية حيفان على حدود تعز ولحج أيضاً، فيما باتت منطقة الأحيوق، مركز الوازعية، مطوّقة من قبل الانقلابيين، بعد معارك شرسة دارت طوال اليومين الماضيين. ويقول مصدر قريب من "المقاومة الشعبية" في الوازعية، إن "تقدم الانقلابيين كان ثمنه باهظاً، إذ قتل عدد كبير من مسلحيهم وكان واضحاً أنهم يريدون السيطرة على مركز المديرية بأي ثمن". ويؤكد المصدر ذاته لـ"العربي الجديد" أنّ "هناك معلومات تفيد بأنّ الانقلابيين عزّزوا مواقعهم بلواء عسكري من منطقة المخا للسيطرة على الوازعية، مما يعني أنّ كسب المعركة كان هدفاً استراتيجياً في توقيت حسّاس للغاية"، على حدّ تعبيره. ويشير المصدر إلى أنّ "المقاومة صمدت في الوازعية خلال الأيام الماضية من دون أي دعم يذكر، فيما كان المقاتل المحظوظ يملك في جعبته أربعين طلقة، كتسليح ذاتي"، وفقاً للمصدر.

معركة استراتيجية
يبدو واضحاً أنّ كسب معركة الوازعية بالنسبة إلى الانقلابيين هو هدف استراتيجي، فعلاً، بحسب مراقبين للوضع هناك، فهي (الوازعية) مدخل مهم لتطويق محافظة تعز وتوسيع دائرة الحصار الذي كان يستهدف المدينة فقط، أما الآن فهو يستهدف أجزاء واسعة من ريف المحافظة. وتشير المعلومات إلى أن الحوثيين بات بإمكانهم قطع الطريق الواصل بين مدينة التربة ومحافظة لحج وعدن (طريق هيجة العبد)، وهو خط التموين الوحيد لأجزاء واسعة من محافظة تعز. هذه الأجزاء هي مديريات تخضع لسيطرة الجيش الوطني التابع للشرعية، كما يوجد فيها قوات تتبع اللواء 35. ومثل هذه الخطوة، ستضاعف من معاناة أعداد هائلة من السكان بينهم نازحون فرّوا من جبهات القتال في مناطق مختلفة من تعز.

ومن بين الأهداف التي يسعى الانقلابيون إلى تحقيقها من خلال كسب هذه المعركة، تضييق الخناق على اللواء 35 مدرع، الذي يمتلك معسكرات تدريب في مدينتَي التربة والنشمة، والتحجيم من دوره. ويعد اللواء 35 مدرع أوّل لواء يقف في وجه الانقلابيين ويعلن انحيازه إلى شرعية الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي. وكان له الفضل في تأسيس "المقاومة الشعبية" في مدينة تعز بقيادة العميد الركن، عدنان الحمادي. وأصبح هذا اللواء يُعرف بنواة الجيش الوطني، ومن المتوقع أن يساهم بشكل فاعل في بناء الجيش مستقبلاً.

أهداف ملتبسة
عبّر كثيرون من مؤيدي تحالف الحوثي وصالح عن ابتهاجهم باستعادة أجزاء واسعة من مديرية الوازعية، بعد وصول قوات الحوثي وصالح إلى مشارف منطقة الأحيوق، مركز مديرية الوازعية، والتي تعدّ منطقة استراتيجية تطل على مديرية ذوباب وخط الإمداد الساحلي من جهة الغرب، كما تطل جبالها على أجزاء من محافظة لحج الجنوبية. وكتب الصحافي المناصر لجماعة الحوثي، علي جاحز، على صفحته عبر "فايسبوك"، أنّ تأمين الوازعية من قبل ما سمّاه بـ"قوات الجيش واللجان الشعبية"، فضلاً عن أنّ مديرية حيفان تحت سيطرتها، "يجعل الشمايتين (التربة التي يسيطر عليها من وصفهم بالمرتزقة) بين فكّي كماشة، ويعطي مؤشرات إلى ما بعد الوازعية". وأضاف في منشوره، أمس الأول السبت، أن "تأمين الوازعية يعطي دلالة قوية وعميقة على قوة وصلابة قوات الجيش واللجان الشعبية وتمكّنها بعد عام من العدوان من التماسك والحفاظ على إمكاناتها ومعنوياتها، ودليل على نجاح وبراعة إدارة المعركة وقيادتها المحنكة".

ويرى مراقبون أن تحالف الانقلاب أصبح على يقين من أنّ عودته إلى محافظات الجنوب اليمني باتت مستحيلة، وإلّا لما توقفوا عن المحاولة منذ طردهم من عدن في أواخر يوليو/تموز العام الماضي. مع ذلك، يعتبر هؤلاء المراقبون أنّ بقاء المحافظات الشمالية المحاذية للمحافظات الجنوبية تحت سيطرة تحالف الحوثي وصالح، جعل تحرير الجنوب حتى الآن يفتقر إلى أساس متين، بل ويثير شهية الانقلابيين لتحسين شروطهم التفاوضية. ويعتقد المراقبون أنفسهم أن إشعال المعارك في الحدود الشطرية السابقة، هو من باب التلويح بأن الخطر لا يزال قائماً، ولإرسال إشارة مبكرة إلى طاولة المفاوضات، التي من المتوقع أن تبدأ يوم 18 أبريل/نيسان الحالي، في دولة الكويت، بحسب إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد.

ويكتنف هذه المفاوضات كثير من الغموض، بحسب بعض المتابعين، إذ لا يمكن تقدير حجم التنازلات التي سيقدمها كل طرف لإنهاء الحرب والعودة إلى العملية السياسية، بينما يشهد الشارع اليمني حالة من التوجس والقلق من تلك المفاوضات التي يعتقدون أنّها لن تخرج بتسويات أفضل من تلك التي منحت الحصانة لصالح عن جرائمه بحق شباب ثورة فبراير/شباط 2011، وجعلته شريكاً في السلطة. ويؤكد ناشطون سياسيون أنّ التهاون مع تحالف صالح والحوثي، الذي تفصل بينه وبين الشعب اليمني أنهار من الدماء، بحسب هؤلاء الناشطين، هو بمثابة خيانة عظمى لن يقبلها الشعب اليمني.

وتعد محافظة تعز مركز "المقاومة الشعبية" الآن، كما كانت مدينة الربيع خلال ثورة فبراير/شباط 2011، ويتعامل كل الأطراف الداخلية والخارجية معها بحذر شديد. ولعل قدرة تعز على إفشال أية تسويات لا تكون عند مستوى تطلعات اليمنيين وتضحياتهم، جعلتها، وفقاً لمتابعين، تواجه خيانات مبكرة وتلاعباً واضحاً في مسألة إدارة المعارك العسكرية. ويريد الانقلابيون من خلال استثمار ذلك، التأكيد على أنهم لا يزالون الأقوى على الأرض، وأن بوسعهم إلحاق الضرر إذا ما تم تجاهل مطالبهم، التي يتمسكون بها قبل الدخول في أي حوار، وفقاً للمتابعين أنفسهم.

فصل الشمال عن الجنوب
وفيما تشير بعض المعلومات إلى أنّ خيار الإقليمَين، الشمالي والجنوبي، بات مطروحا على طاولة المفاوضات، وهناك تفاهمات ضمنية حولها تشكل أساس التسوية المقبلة، فإنّه يمكن الإشارة إلى أن تحالف الحوثي وصالح يستبق ذلك من خلال سعيه إلى إعادة ترسيم الحدود السابقة على الوحدة اليمنية عام 1990، في الاحتفاظ بالشمال مقابل تسليم الجنوب إلى المصير الذي سيقرره الجنوبيون والتحالف العربي. ولا يريد تحالف الحوثي وصالح لتعز أن تفلت من سيطرة السلطة المركزية في الشمال، كما أنّ أي تقارب لها مع الجنوب، سيصعب من مسألة استعادتها، وسيجعلها قادرة على فرض أمر واقع معزز برصيد عام كامل من الحرب والمقاومة، بحسب خبراء عسكريين. ويقول هؤلاء لـ"العربي الجديد"، إنّ "إشعال معارك في الحدود الشطرية للشمال والجنوب، يأتي بهدف منع أي تعاون بين المقاومة الشعبية في مديريات لحج والمقاومة في محافظة تعز، لأن تعاوناً من هذا النوع ستكون نتائجه موجعة للانقلابيين". ويؤكد الخبراء أن "التعاون بين مقاومة الشمال والجنوب لا يزال ضعيفاً للغاية، لكن استشعار المخاطر قد يعزز من هذا التعاون".

في السياق ذاته، تحدثت مصادر محلية في مديرية الوازعية، أمس الأول السبت، عن وصول عشرات المسلحين من مناطق الصبيحة التابعة لمحافظة لحج، الذين أبدوا استعدادهم للمشاركة في معارك ضد الانقلابيين. وما يشجع على تنامي هذا التعاون، هو وجود مقاتلين من الصبيحة في مديرية حيفان التابعة لمحافظة تعز، وهم يقاتلون هناك منذ أشهر، وجرى تعزيزهم قبل أيام بضباط وجنود من اللواء 35 مدرع، بحسب هذه المصادر.

المساهمون