رسالة خوف واعتراف

04 ابريل 2015
+ الخط -
لا شك في أن الروس يعانون أزمة فعلية، في ظل تطور الصراع الذي وضعوا أنفسهم فيه، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال تحالفهم مع إيران، ودعمهم النظام السوري، والتأييد المطلق للحلف الشيعي الذي يشكل توازناً فاعلاً ضد المحور السني المدعوم أميركيّاً. العلاقة الجيدة مع هذا المحور في ظل تطور المفاوضات بين طهران وواشنطن، يساعد روسيا في حجز مكان لها على الخارطة الجيو ـ سياسية للمنطقة، بالتحالف الوطيد مع إيران وهلالها الشيعي.

لكن تطورات الأزمة اليمنية، دفعت موسكو للتحرك الدبلوماسي السريع لأجل اليمن، ومحاولة لعب الوسيط بين الأطراف المتحاربة. فالتغيير السياسي في اليمن كان سيصب في مصلحتها الخاصة، نتيجة علاقتها الحميمة بإيران، والحوثيون هم ضمن هذه السياسة التي تؤمّن لروسيا موقعاً منافساً في منطقة الخليج العربي. ولكن، بعد عملية "عاصفة الحزم"، بدا واضحاً الارتباك على سياسة الكرملين، إذ حاول الروس التودّد إلى دول الخليج العربي لإطفاء حرائق حليفهم الإيراني في نقل رسالة للتسوية، ورسالة إيرانية للدول العربية موافقة على الحوار، خصوصاً أن هذا التحرك يأتي بعد المكالمة الأولى التي أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع الرئيس حسن روحاني، في الساعات الأولى لبدء العملية العسكرية في اليمن.

لم تكن رسالة بوتين للقمة العربية في شرم الشيخ عادية، وخصوصاً بعد أن عرضت موسكو وساطتها وخدماتها على الطرفين. خافت أن ترتكب الأخطاء نفسها أيام الثورات العربية، عندما أخذت مواقف ملتبسة، وضعتها في عداء مباشر مع الجماهير المنتفضة، وفوراً أرسل الرئيس الروسي إلى القمة المبعوث الخاص للشرق الأوسط والبلدان الأفريقية، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، بعد أن أجرى اتصالاته مع الأطراف اليمنية، وشملت الرئيس عبد ربه منصور هادي، الرئيس السابق علي عبد الله صالح والحوثيين، وكذلك مع دول عربية أخرى، وإيران، ومع الغرب. فالرسالة التي تشير، في مضمونها، على الدول العربية بأنه يجب أن تحل مشكلاتها سلمياً، ومن دون أهل الخارج، وتطمح روسيا إلى علاقات حميمة مع الدول العربية، كما كانت في السابق.

الرسالة التي نشرها موقع الرئاسة الروسية في 29 مارس/ آذار 2015، قال فيها إن "اجتماعكم يجري في ظل تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية صعبة في دول الشرق الأوسط". وشدد بوتين على أن بلاده تدعم سعي الشعوب العربية إلى مستقبل آمن وزاهر، وتؤيد حل المشكلات المطروحة أمامكم بالطرق السلمية، من دون تدخل خارجي. فالرسالة، بحد ذاتها، تعدّ تغييراً في الموقف الروسي من أحداث اليمن، في الوقت الذي كانوا يقفون مع الحوثيين، ولم يقوموا بمثل هذا التحرك، طوال الفترة السابقة التي مارس فيها الحوثي تمرده على السلطة.
الرد العربي السريع، والذي ترجمه الوزير سعود الفيصل، كان صفعة عربية قوية للروس، لأنهم طرف غير محايد، فلكي يكونوا مفاوضين، عليهم أن يكونوا حياديين، والروس جزء من الأزمة في سورية والمنطقة، لأنهم متورطون. فالذي يدعم النظام السوري ووحشيته ويمدّه بالسلاح لقتل شعبه، ليس محايداً، وعلى الروس أن يباشروا بتغيير مواقفهم بداية من سورية.

فالرسالة مغازلة للعرب خوفاً، وليس حباً، من ارتداد المواقف على الساحة الروسية الداخلية والمناطق الخارجية المحيطة بروسيا في وسط آسيا. لأن مشكلة روسيا هي أن شعوب آسيا الوسطى تدين بالمذهب السني، ولها علاقاتها مع تركيا وأفغانستان والسعودية، وبالتالي، هذه أزمة جديدة تضع روسيا في عنق الزجاجة، خصوصاً أن الروس يعانون من حصار اقتصادي ودبلوماسي، ولا تنقصهم انتفاضة إسلامية تدخلهم في حرب دينية هم لسوا بحاجة إليها.

ولا بد من القول إن الرئيس بوتين، الذي لم يذهب إلى "شارلي إيبدو" في يوم التضامن العالمي في باريس ضد الإرهاب، وسمح لتظاهرة شيشانية رفضاً لإهانة الذات الإسلامية، والتي شارك فيها حوالي مئتي ألف شخص، حاملين المصاحف والأعلام الإسلامية، وسط العاصمة الشيشانية غروزني، ليس حبّاً بالإسلام، وإنما في إطار الصراع مع الغرب.

avata
avata
خالد ممدوح العزي (لبنان)
خالد ممدوح العزي (لبنان)