رسالة إلى أندريه مالرو بقلم جاك لانغ

21 يوليو 2015
طابع يحمل صورة أندريه مالرو (getty)
+ الخط -
كانت مناهضتك القويّة للاستعمار الجامعة الوحيدة التي انتسبت إليها، إذ إنك لم تحصل على دبلوم جامعي ولم تتردّد على جامعة السوربون ومدرجاتها، وإنما كنت رحّالة وعابر عوالم مجهولة. وقد كانت النزعات الإنسانية الآسيوية، التي تدعو إليها منقطعة النظير. وقد أشرت إلى ذلك في كتابك "مرآة النسيان":
"مارست الثورة، بحسب النظرة السائدة في عام 1925، وذلك بسبب اشمئزازي من الاستعمار الذي عرفتُه في الهند الصينية".
آسيا هي التي جعلتك تعي مكانة أوروبا لا العكس. وهي التي دفعتك إلى التمرّد لا أوروبا. أوروبا التي يلاحظ مخاطبك الصيني بأسف في مؤلّف "غواية الغرب" بأنها: "همجية، منظّمة بشكلٍ فائق، فيها تتمازج فكرة الحضارة مع فكرة النظام يوميًا".
مالرو، ها أنت عدت إلى أوروبا لتنقل إليها نَفَسًا تطهيريًا للثورة. إنه النَفس الذي شعرت بلفحاته القويّة على ضفاف نهر الميكونغ. عدت من الهند الصينية محاطًا بهالة من الغموض. وما أن أقمت في باريس، حتى أصبح حديثك مشغولًا بالصين، وجعلتها مركز ثقل الأحداث الداعية إلى تغيير مقبل، ربّما ستغيّر مستقبل العالم. في تلك الفترة، كنت تتحدّث عن الصين من دون أن تعرفها أو أن تقوم بزيارتها. ذلك لأن كلارا (زوجة مالرو)، هي التي قامت برحلة إلى هونغ كونغ على متن باخرة من أجل شراء حروف الطباعة التي كانت جريدتك بحاجة لها. وحدها كلارا قاربت هذا البلد الرائع، الذي اخترقته من طرفه إلى طرفه الآخر رياح التاريخ. أيقظت حكايات كلارا عن البلد، اهتماماتك وشغفك. ولربّما زرت بدورك، في يوم قريب جدًا، هونغ كونغ، ثم كانتون وشنغهاي، مقتفيًا خطى المحقّق الصحافي ألبير لوندر كي تعرض خدماتك ـ وكيف يمكن رفضها؟ ـ على الديمقراطيين والثوريين المحليين. إذ إنك وقبل أن تطأ قدماك "إمبراطورية الوسط" سابقًا، كنت عارفًا بالتحوّلات الجارية في المكان. ولم يكن التجّار أو الموظفون الفرنسيون المقيمون في الأماكن الدولية الآمنة والمحروسة، التي تحمل أسماء فرنسية، هم الذين يمدّونك بالمعلومات، وكذلك لم تكن تربطك أية علاقة بالمهرّبين أو المضاربين، الذين كانوا يثيرون غثيانك. من عرّفك إلى البلد وقرّبك منها، كانوا التجار الصينيون لـ"تشو ـ لان"، الذين كانوا يموّلون جريدتك ومجموعة شبيبة "أنام" Jeune Annam التي كنت أحد أعضائها.
لا تشبه "السنوات المجنونة" للصين سنوات باريس المجنونة، حين اكتشفنا موسيقى الجاز، والفنّ الزنجي، والشارلستون، الويسكي أو تنانير البواري أو تنانير شانيل. في بيكين وشنغهاي وهانكيو وكانتون وتيانتسين ومدن أخرى، كانت الثورة في مرحلة مخاض ضدّ "الاتفاقيات غير المتكافئة" التي باعت الصين وثرواتها للأجانب. عقد الشيوعيون والقوميون تحالفًا في ما بينهم؛ من جهة تشانغ كاي تشيك، الذي كان عسكريًا حظي بمساندة التجار وورثة الأعيان وجميع الذين يرغبون في الجمع بين التطلعات والاستقلال مع صيانة مصالحهم الاقتصادية الكبرى، ومن الجهة الأخرى، الشيوعيون المقتنعون بقضية ثورة أكتوبر، أنصارٌ مستعدّون للتعاون مع "البورجوازية الوطنية". هؤلاء الشيوعيون كانوا "مستعمَرين" بدورهم، بما أنهم كانوا مؤهّلين بواسطة مستشارين موفدين من قبل موسكو.
تابعت، حين كنت في سايغون، وبفضل المعلومات التي وصلتك من أصدقائك الصينيين، الإضرابات الكبرى في موانئ الصين الجنوبية لمؤازرة مسيرة جيش تشانغ كاي تشيك. وقد سردت هذه الحقبة، في أوّل رواياتك، التي صنعت شهرتك: "الغزاة". إلا أن كتابًا آخر لك "الشرط الإنساني"، نلت عليه جائزة الغونكور عام 1933، عرضت فيه كيف سحق حلفاء الأمس الشيوعيين الصينيين في شهر أبريل / نيسان 1927.
وقد أجمعت الصحافة من اليسار واليمين على أهمية كتابيك هذين ؛"الغزاة" و"الشرط الإنساني". والأمر الأساس فيهما هو التأمّل في مسألة إمكانيات الالتزام النضالي وغاياته. إنه في الوقت نفسه، درسٌ في الثورة، وفعلٌ متمرّد ضدّ الثورة ذاتها، وضدّ ما يمكن أن تصل إليه ما لم يكن أصحابها على حذر.
(ترجمة المعطي قبال)
المساهمون