رحيل عميد فناني سورية... الضاحك الباكي تيسير السعدي

رحيل عميد فناني سورية... الضاحك الباكي تيسير السعدي

11 أكتوبر 2014
الفنان الراحل تيسير السعدي (العربي الجديد)
+ الخط -

نعت دمشق اليوم السبت، عميد فنانيها الضاحك الباكي الفنان تيسير السعدي عن عمر يناهز 97 عاماً، قضى منها 62 عاماً مخرجاً وكاتباً وممثلاً، في المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما.

لعله قضى أكثر من تلك السنوات ليروي حكاية سورية، ولا نعرف ما إذا كان في أسوأ كوابيسه يدرك أن حرب البسوس التي رواها في مسلسل "الزير سالم" سيعود ليعيشها في سورية، ويشهد أكثر من ثلاث سنوات من فصولها، ولربما اختار الرحيل كيلا لا يعود ويرويها وجعاً فوق وجع.

يعدّ الراحل تيسير السعدي من أقدم الفنانين الأكاديميين في الوطن العربي، درس الفن في معهد التمثيل في القاهرة ابتداء من عام 1945 على يد الفنان الكبير "زكي طليمات" إلى جانب عدد من الفنانين، من بينهم "فاتن حمامة"، و"سميحة أيوب"..، قبل أن يعود إلى دمشق ليستكمل ما كان قد بدأه هاوياً، على المسرح مع "أنور البابا، عبد السلام أبو الشامات"، قبل مغادرته إلى مصر، حيث قام معهما إضافة إلى القصاص الشعبي حكمت محسن، بتأسيس "الفرقة السورية للتمثيل والموسيقا" حيث تولى السعدي مهمة إخراج أعمال الفرقة، وكان محسن كاتبها، فيما انضم إلى الفرقة عدد من الممثلين الآخرين أهمهم: فهد كعيكاتي (أبوفهمي) وأنور البابا (أم كامل).

كانت الإذاعة السورية قد تأسست في 17أبريل/ نيسان عام 1946، ومعها بدأ العمل الفني يأخذ تقاليده، وكان من الطبيعي أن تنهض الفرقة السورية بعدد من أهم أعمال الدراما الشعبية الإذاعية وقتها، كرست اسم تيسير السعدي والقصاص الشعبي حكمت محسن كثنائي فني، واستطاعت الفرقة عبر تجربتها الإذاعية، التي استوحت حكاياتها من الشارع، أن تلف الناس حولها وأن تدخل قلوبهم بسهولة، مما جعلها تؤسس منذ أواسط الخمسينات قاعدة لانطلاق الدراما السورية التي نشهد انتشارها الواسع اليوم، وبطبيعة الحال كان العمل معها بمثابة انطلاق لعدد من الوجوه الفنية.

تبقى سلسلة "صابر وصبرية" التي قدمها تيسير السعدي مع زوجته صبا المحمودي في ما يزيد عن "1200" حلقة، الأهم من بين ما قدمه للإذاعة، حيث لاقى العمل جماهيرية كبيرة وترسخ الاسم "صابر" لـ" تيسير السعدي" بين الناس، ولم يزحه إلا لقب "الحكواتي" الذي برع بأداء دوره، لدرجة الاستعانة به كراوٍ لحكاية مسلسل "الزير سالم" للمخرج حاتم علي.

كان "صابر وصبرية" الذي كتبه وليد مارديني نموذجاً للكوميديا الاجتماعية والعائلية التي تمس اليومي الحميم من حياة عموم الناس، ويقول الراحل السعدي، في حوار صحافي مع موقع "eSyria" (ديسمبر2011) إنه استوحى حلقات العمل من مسلسل أجنبي كان يعرض عنوانه "lovelose" وقد طلب من الكاتب مارديني أن يكتب حلقاته.

شكلت الإذاعة الركن الأساسي في تجربة الفنان تيسير السعدي، فلم يسجل حضوره في السينما إلا في ثلاثة أفلام فقط، رغم أنه عاصر فترة ازدهار سينما القطاع الخاص في سورية كما ارتبط بعلاقة مع الأوساط الفنية في مصر وجسّد واحداً من أفلامه الثلاثة مع الفنانة فاتن حمامة، أما في التلفزيون فقد دخله بعد ما تجاوز عمره الخمسين، مما حدّ من طبيعة أدواره في التلفزيون، التي اشتهر فيها بأدائه العفوي لدور "الحكواتي"، فضلاً عن دور البطولة في مسلسل " تجارب عائلية"..، كما كان للراحل مشاركة في عدة مسلسلات منها: "صح النوم" و"الدنيا مضحك مبكي".. وكان مسلسل "أيام شامية" الشهير آخر أعماله، حيث أدى فيه شخصية المنجّد.

مما لا يعرفه كثيرون عن الراحل تيسير السعدي أنه هو من جسّد شخصية "أبو ريشة" في مسرحية "غربة" إثر تعرض صاحب الدور الفنان نهاد قلعي لأزمة صحية، ولم يعد بعدها  الفنان قلعي للعب الدور، إلا عندما سُجلت هذه المسرحية للتلفزيون في الأردن.

ويُعرف الفنان السعدي بأنه "ممثل بسبعة أصوات" لقدرته الفائقة على تقليد الأصوات، وهو الوصف الذي اختارته د. ميسون علي عنواناً لكتابها عن سيرته التي أصدرته أمانة دمشق عاصمة للثقافة العربية في 2008، وعن وصف «ممثل بسبعة أصوات»، تقول د. علي إن الفنان السعدي فوجئ بغياب ممثلي إحدى التمثيليات الإذاعية عند تسجيلها، مما اضطره إلى القيام بأداء أدوار أربعة ممثلين وحده..، إضافة إلى أصوات كركوز وعيواظ والجاهل المتفاصح، ليسجل بصوته على هذا النحو سبعة أصوات في عمل واحد.

يعد الراحل تيسير السعدي شاهداً على تجربة كاملة للفن السوري، ابتداء من المسرح السوري الذي بدأ به أدواره في الثانية عشرة من خلال مسرحية "أوديب ملكاً" مروراً بتجاربه بمسرح خيال الظل وارتباطه الفني الوثيق بشخصيتي "كركوز وعيواظ"، وشهد ولادة إذاعة دمشق، كما شهد قيام المسرح السوري بشكله الحديث.

يقول الفنان السعدي في زيارة تكريمية قام بها عدد من الفنانين السوريين عام 2010 بمبادرة من الكاتب فارس الذهبي، إنه شهد ولادة الكهرباء في دمشق، كما شهد ولادة السينما الصامتة، وولادة إذاعة دمشق... وبما لا يقبل الشك أنه شهد ولادة الدراما التلفزيونية السورية، حتى لو لم يسجل اسمه في أولى أعمالها، فليس خفيّاً على أحد أن مخرجي الإذاعة هم من نهضوا بداية بأعمال التلفزيون السوري الدرامية.

ينقل موقع "eSyria" عن الراحل قوله: "لم أعمل بحياتي إلا الفن"، فيما يتفق كل من عرفه على الانسجام الكبير، الذي اتسم به، ما بين شؤون الحياة وطبيعة عمله وسلوكه في الفن... إنه سلوك امتاز بالإخلاص والصدق والعفوية والجدية بآن معاً.

المساهمون