رحلة "قانون قيصر"... من الولادة إلى التطبيق

رحلة "قانون قيصر"... من الولادة إلى التطبيق

16 يونيو 2020
يدخل القانون غداً حيز التنفيذ الفعلي (برندان سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -
يدخل غداً "قانون قيصر" حيز التنفيذ الفعلي، بعد مضي 180 يوماً على إقراره وتوقيعه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العشرين من كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، حيث تحول الموقف السياسي الأميركي من مجرد موقف إلى قانون نافذ، سيحد من حركة النظام سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ويقوض تعاملاته الخارجية، لا سيما مع حلفائه التقليديين، الأمر الذي يتوقع أن يتسبب بمشاكل كبيرة داخل بنية النظام.

و"قيصر" أو "سيزر"، هو الاسم الحركي لعسكري ومصور في الطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية للنظام، ومقره العاصمة دمشق، كانت مهمته قبل الثورة تقتصر على تصوير الحوادث الجنائية المرتبطة بالجيش والمؤسسة العسكرية من جرائم قتل وغيرها، قبل أن تسند إليه مهمة الذهاب إلى المستشفيات العسكرية للنظام في العاصمة وتصوير جثث القتلى من المعتقلين لدى النظام.

وعلى ضوء ذلك، تمكن "قيصر" من توثيق هذه الصور وتخزينها، وجمع حوالي 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب، وذلك حتى منتصف 2013، وهو الموعد الذي قرر فيه "قيصر" الانشقاق عن المؤسسة العسكرية بالتعاون مع منظمات سورية ودولية، وبحوزته هذا الكم من الصور التي تشكّل أكبر دليل إدانة للنظام.

وقد مر القانون بكثير من المحطات والعقبات، قبل نجاحه بفرض نفسه حيز الوجود، بجهود أشخاص ومنظمات، تسلموا ملف "قيصر" وصارعوا على مدار ست سنوات في سبيل إقراره.

بداية التحرك

 ويعد الناشط شادي جنيد، المقيم في فرنسا وعضو "الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي"، من أوائل الأشخاص الذين اطلعوا على الملف الذي خرج به قيصر من سورية، ليبدأ تحركات في سبيل إرفاقه بالملفات السياسية والدولية.
ويقول جنيد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المعارضين السوريين حسان الشبلي وعماد الدين الرشيد هما أول من تواصل مع قيصر، مضيفاً: "حينها شكلنا (جمعية المفقودين ومعتقلي الرأي)، وكان القرار هو حمل الملف لكل المحافل الدولية بهدف ألا تمر الجريمة من دون عقاب".

وأشار جنيد، إلى أنه بعد عرض وانتشار الصور "قام وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس برفع قضية (جريمة ضد الإنسانية) بحق النظام في بلاده، وكذلك قامت بعض الأسر السورية، التي تعرفت على أبنائها وذويها الذين اعتقلوا وماتوا تحت التعذيب، برفع قضايا في دول أوروبية كإسبانيا وألمانيا ضد نظام الأسد".

وتابع أن الصور عرضت لأول مرة في "منظمة العفو الدولية" عام 2014، وخلال العرض تواصلت معه الصحافية الفرنسية غارنس لوكين، وأخبرته برغبتها بالكتابة عن عملية "القيصر".

وأوضح الناشط في هذا السياق: "قمت بوصلها بالفريق وتم تأمين اللقاء بينها وبين القيصر، وصدر بعد ذلك كتاب (عملية القيصر)، وهذا مجهود منها لا أنساه كون الكتاب يعتبر وثيقة للتاريخ، كما أن عمل فريق (منظمة العفو الدولية) عمل جبار لا يجب أن ننساه، وقد كان لي شرف العمل مع فريق جمعية الاسرى ومعتقلي الرأي في تركيا لحمل ملف هذه الجريمة الشنعاء للعالم".

وأشار جنيد إلى أن "الجالية السورية في الولايات المتحدة، كان لها دور كبير في صدور هذا القانون والذي يرمز لمسألة مهمة، وهي أن هذه الجرائم البشعة لن تمر من دون عقوبة.

 ولفت إلى بطء سير العملية بالقول: "تبين لنا، خلال السنوات الست الماضية، أن تحقيق العدالة عملية بطيئة جداً، ولكن لا يحق لنا أن نيأس، ويجب أن نرفض أن يتحول السوري إلى رقم على صورة، وقانون قيصر هو بالنسبة لي خطوة مبشرة بالخير نحو تحقق العدالة، فهذا الملف بات أمانة في عنق كل سوري، لأن المعتقل كان من الممكن أن يكون أنا أو أنت أو أي سوري يفكر بالمطالبة بحقه في عيش كريم".

لوبي سوري ضاغط

وبرز دور الجالية والمنظمات السورية في الولايات المتحدة بشكل كبير في إصدار "قانون قيصر"، حيث ولد ما يشبّه بـ"لوبي" سوري ضاغط، عمل بفاعلية لإصدار القانون رغم اعتراضه بالكثير من العقبات، بحسب معاذ مصطفى، مدير "المنظمة السورية للطوارئ" التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، وهو كذلك عضو في فريق عمل "قيصر" والأقرب إليه.

ويشير مصطفى إلى أنهم في المنظمة التي يديرها تعرفوا على "قيصر"، ثم أصبحوا جزءا من هذا الفريق، ويتابع: "عندما وصلنا الملف والصور، حاولنا العمل على الجانب القضائي قدر المستطاع، لنصل إلى مرتكبي الجرائم والضحايا، ثم نشطنا على الجانب الإعلامي لكي يتعرف العالم على هذه الجريمة، فنظمنا المعارض في الولايات المتحدة وخارجها لنشر الصور".

وأضاف "ثم جاء الدور على تحريك الملف سياسياً مع الحكومة الأميركية، واستطعنا تنظيم جلسة استماع في عام 2014 لشهادة قيصر أمام الكونغرس، وبعد هذه الجلسة، اجتمعنا بعدة موظفين ونواب في الكونغرس من جمهورين وديمقراطيين، وخلال هذه الجلسة، كانت النصائح من قبلهم أن تكون هناك ردة فعل على جلسة الاستماع لقيصر في الكونغرس، وكانت الفكرة بصياغة قانون قيصر، وكان للمنظمة السورية للطوارئ دور كبير في صياغة القانون والدفع لتمريره، ولا يمكن أن ننسى دور الكثير من المنظمات والأفراد السوريين وغير السوريين، الذين قدمواً عملاً جيداً ودعموا صدور القانون".

مصاعب وعوائق

وعن المصاعب والعوائق التي واجهت فريق "قيصر" طيلة الفترة الماضية، أوضح مدير "المنظمة السورية للطوارئ"، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنهم لم يكونوا يتوقعون أن يواجهوا كل هذه المطبات خلال رحلة قيصر".

وأضاف أن "أول العراقيل وضعت من قبل إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، رغم أن القانون يعد قانونا ديمقراطيا بشكل أو بآخر، ومدعوم من الجمهوريين، إلا أن الرئيس أوباما، وعندما تم تمرير القانون لأول مرة في الكونغرس، أوقفه في مجلس الشيوخ حيث تواصل مع النواب الديمقراطيين وحضهم على عدم تمريره، بحجة أن تمريره سيتسبب بانهيار هدنة أو اتفاق في ذلك الوقت مع روسيا والنظام، وأن ذلك سيتسبب باستئناف العمليات العسكرية ما يوقع ضحايا".

وتابع مصطفى أنه "ورغم توقف القانون بعرقلة من أوباما، إلا أن الهدنة خرقت في اليوم ذاته، وعدنا ومررنا قيصر ثلاث مرات في مجلس النواب (الكونغرس)، وكانت العقبة هذه المرة أمامنا في مجلس الشيوخ النائب راند بول الذي أوقف القانون لأكثر من ثلاثة أعوام، ليكون الحل بإدراجه ضمن ميزانية وزارة الدفاع، ومرر القانون ووقع عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو اليوم قانون قوي يحظى بدعم الديمقراطيين والجمهوريين".

وعلى مدى ثلاث سنوات كان قانون "قيصر" بحاجة إلى أن يمر بمرحلتين تشريعيتين في الولايات المتحدة حتى يتم إقراره، الأولى في مجلس النواب أو الكونغرس، والثانية في مجلس الشيوخ الذي عطل أحد نوابه، وهو السيناتور راند بول، مرور القرار في مجلس الشيوخ طيلة الأعوام الثلاثة، حسب المصدر ذاته.

ويشير مصطفى هنا إلى أن القانون يحتاج إلى ما نسبته مئة بالمئة للمصادقة عليه من قبل الشيوخ، "ما دفع اللوبي السوري داخل الولايات المتحدة، ولا سيما "المجلس السوري الأميركي" ومنظمات سورية وأميركية مختلفة، التي عملت بجهد في المساعدة على صياغة القانون والذهاب به إلى الكونغرس، وبالاستشارة مع أعضاء في الكونغرس والشيوخ وقانونيين أميركيين، لإيجاد حل بربط القانون بموازنة وزارة الدفاع، وليس التصويت عليه بشكل إفرادي، والتصويت على الموازنة يحتاج موافقة الثلثين من أعضاء مجلس الشيوخ وليس مئة بالمئة كما السابق، وبالتالي أقر القانون كون الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس الشيوخ متفقين على تمرير ميزانية وزارة الدفاع".

ونوه مصطفى إلى أنهم كانوا يتطلعون خلال رحلة السير في هذه الملف، ضمن أروقة السياسة الأميركية ومراكز صنع القرار، إلى أهداف أكبر من إصدار القانون، ليس من الولايات المتحدة وحسب، إنما من المجتمع الدولي بشكل عام، مضيفاً أن "قانون قيصر، هو ما استطعنا الحصول عليه، وربما نعمل في قادم الأيام على إصدار نسخة ثانية من القانون (قيصر 2) في حال تعنت واستمر النظام في حربه ضد السوريين".

القانون والحياة المعيشية للسكان

وفي أيار/ مايو الماضي، شكل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" لجنة "فريق عمل متابعة قانون قيصر"، ومن مهامها التواصل مع الإدارة الأميركية لمتابعة تنفيذ القانون، في محاولة للتخفيف من تبعاته المعيشية على السوريين، سواء في مناطق النظام أو المعارضة أو "الإدارة الذاتية" على حد سواء، بحسب عبد المجيد بركات، منسق "فريق عمل متابعة قانون قيصر" في الائتلاف.

وأشار بركات في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنه "من مهامنا إنجاز عمليات الرصد والمتابعة لاستثمار نتائج هذا القانون، وتخفيف تبعاته السلبية على السوريين في مناطق السيطرة المختلفة، علماً أننا في الائتلاف لم نكن بعيدين عن السيرورة التي مضى بها القانون خلال رحلته، كما لعبنا دورا في إخراج قيصر من سورية ودعمنا الملف الذي بحوزته في إيصاله إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي".

وأضاف "كانت لنا لقاءات مع فريق تنفيذ قانون قيصر في الإدارة الأميركية، وأخذنا تطمينات بأن تبقى الحياة المعيشية للسكان بعيدة عن التأثير في كافة أنحاء البلاد، رغم أن النظام سيلقي بتبعات القانون على كاهل الشعب ولا سيما في مناطق نفوذه".

وتابع "أخبرنا الولايات المتحدة كذلك بأن مدة تطبيق أو تنفيذ القانون (خمس سنوات) هي مدة طويلة ولا يستطيع السوريون تحملها، وشددنا في اجتماعنا الأخير مع الإدارة الأميركية على أن تكون هناك استثناءات لصالح المدنيين، سواء في مناطق النظام أو المعارضة، ولا سيما الاستثناءات المتعلقة بدخول المواد الغذائية والطبية والمساعدات الإنسانية، وكان رد الفعل من الإدارة الأميركية إيجابياً بتضمين القانون هذه الاستثناءات".

وحول نظرة المعارضة للقانون كطريق لإسقاط النظام، أشار بركات إلى أن "القانون هدفه الأساسي هو حماية المدنيين، ولا يتضمن إشارات لإسقاط النظام أو رئيسه، وإنما سيحاول الضغط بوسائل اقتصادية ودبلوماسية على النظام وحلفائه لتغيير سلوكهم، والحد من استهداف المدنيين عبر العمليات العسكرية، بتقويض دخول الإمدادات العسكرية للنظام، وربما يكون القانون أحد أسباب تفكك النظام، أو وسيلة ضغط للرضوخ للعملية السياسية التي يمكن أن تحمل نهايته".

وينص القانون على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين ببعض المعاملات المالية أو التقنية لمؤسسات الحكومة السورية، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن الحكومة السورية أو روسيا أو إيران أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسورية قبلاً، وكل من يقدّم الدعم المالي أو التقني أو المعلومات التي تساعد على إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسورية من الغاز والنفط أو مشتقاته، ومن يقدّم الطائرات أو قطعها أو الخدمات المرتبطة بالطيران لأهداف عسكرية في سورية. كما يفرض عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم.

وحدد "قيصر" مجموعة من الأشخاص المقترح أن تشملهم العقوبات، بينهم رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه، وقادة القوات المسلحة البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولين في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، فضلاً عن قادة "الفرقة الرابعة" والحرس الجمهوري والمسؤولين عن السجون التي يسيطر عليها النظام، ورؤساء الفروع الأمنية.

ويستثني القانون المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سورية. وعلى الرغم من اللهجة القاسية للمشروع، فإنه يترك الباب مفتوحاً للحل السياسي، فهو يسمح للرئيس الأميركي برفع هذه العقوبات في حال لمس جدية في التفاوض من قبل نظام الأسد، بشرط وقف الدعم العسكري الروسي والإيراني للأسد، كما يمكن للرئيس الأميركي رفع العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.