راهن المؤسسة العسكرية العراقية

راهن المؤسسة العسكرية العراقية

04 يناير 2015
+ الخط -

تبنى الدول الحديثة على النظام المؤسساتي الكفيل برعاية مصالح المواطنين وحياتهم، وحفظ الدولة من الشرور، ومن الانتهاكات الداخلية والخارجية، وهذا ظاهر في غالبية دول العالم، إلا بعضها، ومنها العراق. إذ تعاني الدولة العراقية، بعد عام 2003، من شلل شبه تام، وانهيار واضح في مؤسسات أمنية وخدمية عديدة؛ نتيجة غياب الاستراتيجيات الواضحة والمبينة لما ينبغي أن تكون عليه (الدولة)، وربما يمكننا أن نؤكد أن هنالك استراتيجية؛ على الورق فقط، ومجرد شعارات حكومية لا وجود لها في الواقع، وهي للتسويق الإعلامي ليس إلا.
ومن أبرز صور هشاشة الدولة العراقية تفكك المؤسسة الأمنية والعسكرية، وهذا ما نلمسه في الواقع الأمني المنهار، نتيجة عدم مهنية الأجهزة الأمنية وعدم حياديتها. وعليه يمكن، اليوم، تشخيص الثغرات التالية في واقع المؤسسة العسكرية العراقية:
- عدم مهنية بعض الوزراء الأمنيين، فأحدهم، وهو وزير حالياً، زعيم في ميليشيا معروفة للعراقيين، فهل سيتمكن من إيقاف انتشار سرطان الميليشيات في وزارته، التي لها أثر فاعل في عموم المشهد الأمني الداخلي، وغالبيتهم من رفاقه في التنظيمات الميليشياوية؟
- عدم كفاءة غالبية قادة الفرق والألوية العسكرية في تنفيذ أبسط المهام المناطة بهم، وغالبيتهم يجهلون حتى أبسط مهام القيادة، والميزة الجامعة لهم قلة الخبرة، والتصريحات الإعلامية المتناقضة.
- غياب التدريب العلمي والعملي الصحيح؛ وأيضاً انتشار ظاهرة الرتب العسكرية (التجارية) التي تمنح لبعض زعماء الميليشيات وغيرهم، من غير أن تكون لهؤلاء صلة حقيقية بالمؤسسة

 العسكرية وعلومها.
- تغول الميليشيات في غالبية صنوف الأجهزة الأمنية والعسكرية، وقد تمت هذه الخطوة الكارثية في مرحلة 2005 و2006، حيث تم دمج هذه الميليشيات في تلك الأجهزة، خصوصاً من منظمة بدر، وقد أكدت هذه الخطوة التدميرية مصادر أميركية؛ وهذه شهادة دقيقة ومهمة؛ لأن الأميركان هم المسيطرون على الملف الأمني وغيره في العراق حتى نهاية عام 2011، مرحلة الانسحاب الأميركي الشكلي من بلاد الرافدين.
- تفشي الفساد المالي والإداري في المؤسسات العسكرية الحساسة والتعبوية؛ حيث أكدت مصادر حكومية وبرلمانية أن آلافاً منتسبون وهميون تصرف لهم رواتب ومخصصات، يستولي عليها كثيرون من آمري الوحدات العسكرية والضباط، وفي البال أن ميزانية العراق الضخمة نهبت نتيجة هذا الفساد المالي والإداري المرعب. ولم يتوقف الفساد عند هذا الحد، بل وصل إلى ساحات التدريب وأرزاق الجنود، وهذا انسلاخ حقيقي من الروح الوطنية والإنسانية.
وقد وصل الفساد المالي إلى الولايات المتحدة، ففي منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2007، أثبت تقرير مراجعة حسابات المشروعات التي أشرفت وزارة الدفاع على تنفيذها في العراق أن الوزارة دفعت 32 مليون دولار لشركة أميركية؛ بهدف بناء قاعدة للقوات العراقية في الرمادي، ثم لم تشيد قط".
- الاستخدام المخجل والتطبيق الابتزازي للقانون؛ ويتمثل ذلك باعتقالات كيدية لشخصيات ثرية؛ لتبدأ بعدها مرحلة المفاوضات الابتزازية البشعة؛ الهادفة إلى الحصول على أكبر قدر من الأموال. وجديد هذه الجرائم ما وقع، أخيراً، في مدينة هيت الغربية التابعة لمحافظة الأنبار، حيث اختطفت ميليشيات تابعة للجيش الحكومي طبيبين، وتم مفاوضتهما على أن يدفعا 400 ألف دولار، وترك المدينة، وبالفعل باع الرجلان كل ما يملكانه، من أجل تسديد هذه المبالغ الضخمة، وبعدها تركا المدينة.
- انتشار ميليشيا الحشد الشعبي في مناطق النزاع الحالية في العراق يعد من أكبر القنابل الموقوتة التي قد تفتح باباً واسعاً للحرب الأهلية في البلاد، وهذا باب لا يمكن أن يغلق بسهولة؛ لأن كل أدوات الحرب الأهلية، اليوم، متوفرة في الشارع، حيث الميليشيات المدعومة بالمال والسلاح، وأيضاً الأرضية المناسبة لهذه الحرب متوفرة وهي متمثلة باستهتار غالبية عناصر هذه الميليشيات وإجرامها المنظم ضد أهالي مناطق محددة في الوطن.
استمرار هذه الصور، المرعبة من حيث الفساد والفلتان الأمني، سيؤدي، حتماً، إلى تدمير روحية المواطنة قبل تدمير البلاد، فهل من منقذ لبلاد الرافدين من هذا المستنقع؟