ديمقراطياتنا في عيون الأميركان

ديمقراطياتنا في عيون الأميركان

28 أكتوبر 2015
+ الخط -
نشرت، أخيراً، مؤسسة بروكينغز الأميركية للأبحاث، مقالاً بتوقيع سارة يركيس، وهي باحثة في مركز دراسات الشرق الأدنى، ومستشارة سابقة مكلفة بالتخطيط في وزارة الخارجية الأميركية، ومستشارة جيوسياسية سابقة مكلفة بالبحوث والتخطيط الاستراتيجي في وزارة الدفاع. حمل المقال عنوانا يتساءل عن المستقبل مفاده: هل بإمكاننا أن نتوقع إصلاحات سياسية حقيقية قريبا في المنطقة المغاربية؟
وحاولت الباحثة الأميركية في مقالها أن تسلط الضوء على الجوانب الإيجابية والسلبية في التطورات السياسية في تجارب تونس والمغرب ومصر، لتخلص إلى استنتاجات وخلاصات تركيبية، تنتهي بتوصيات ترفعها إلى الإدارة الأميركية، على اعتبار أن المؤسسة التي تشتغل لحاسبها الباحثة من مؤسسات "تينك تانك" التي تساهم في صناعة القرار السياسي في المؤسسة الرسمية الأميركية.
تبدأ الباحثة مقالها من نقطة الضوء الوحيدة في التحولات الكبيرة التي تهز المنطقة العربية منذ هبوب رياح "الربيع العربي"، وتخص التجربة التونسية بإطراءٍ كثير مستحق، لكنها تقف عند أهم التحديات التي تواجه هذه التجربة، وتلخصها في ثلاثٍ كبرى:
تحدي المصالحة للتخلص من إرث الجنرال زين العابدين بن علي، فتونس مازال ينتظرها استحقاق عدالتها الانتقالية التي تؤجلها من وقت إلى آخر، ما يهدد تجربة الانتقال الديمقراطي الحالية بالتفجير من الداخل. تحدي الانتخابات المحلية المفروض إجراؤها العام المقبل، بعد أن تأخر تنظيمها أربع سنوات، هي عمر الثورة، لأن من شأن هذه الانتخابات أن تحسس الناس بالتغيير الذي خرجوا ينشدونه. تحدي تعلم الديمقراطية، وخصوصاً التوفيق بين محاربة خطر الإرهاب وحماية الحقوق والحريات. وهذا اختبار صعب، سقطت أمامه حتى أكبر الديمقراطيات، بما فيها الديمقراطية الأميركية نفسها في أثناء حربها العالمية، ضد ما يسمى الإرهاب.
وتعرّج المقالة على التجربة المغربية، باعتبارها فريدة، حققت التغيير بدون أن تشهد ثورة
دموية، كما حصل في أكثر من دولة عربية. لكن الباحثة الأميركية تحذر مما تراها مظاهر خادعة لما يحصل في المغرب، وتقول إن النصوص الجميلة عن التغيير مجرد حبر على الورق، لأنه لا شيء تغيّر في الواقع. وتعتقد أن السلطات في المغرب مازالت ممركزة بين أيدي "المخزن"، السلطة المركزية في البلاد التي يختزلها القصر. وتشير الباحثة إلى تراجعات حصلت في المغرب في السنوات الأخيرة، خصوصاً في مجال الحريات، حيث تعرّض ناشطون كثيرون إلى الاعتقال والمحاكمات، وغالبا بتهم جنائية مفتعلة، كما تم منع أنشطة عدة جمعيات تنشط في مجال حقوق الإنسان ورفض الترخيص لأخرى. وتخلص الباحثة إلى إبداء شكوكها وقلقها بخصوص فرص المغرب في تحقيق إصلاح ديمقراطي حقيقي.
وتنهي الباحثة الأميركية مقالها بالقول إنها لم تعثر في التجربة المصرية على أية إشارة إيجابية، بما فيها حتى الانتخابات البرلمانية التي تشهدها مصر حالياً، والتي تقول عنها إنها انتخابات لا تبشر بأي جديد، لأن البرلمان المقبل، في رأيها، سيكون من لون واحد، هو لون الموالين لسلطة الجنرال عبد الفتاح السيسي. وتنطلق الباحثة من استخلاص استنتاجها هذا من صفة أغلب المرشحين لهذا البرلمان، والذين تكتب أن أغلبهم من ضباط الجيش والشرطة السابقين، وأعضاء سابقون في حزب مبارك، الحزب الوطني الديمقراطي.
وإذا كان هذا التوصيف للحالات العربية الثلاث معروفاً، وسبق أن كتب فيه وعنه الكثير، فإن الجديد في المقال هو توصيات صاحبته، سارة يركيس، للإدارة الأميركية المقبلة. وتحت سؤال: "ماذا يجب على أميركا أن تفعله؟"، تخبرنا أن الإصلاحات السياسية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط لم تكن يوماً من اهتمامات الرئيس الأميركي باراك أوباما، عكس كل تصريحاته الموجهة للاستهلاك الإعلامي. وتستدل الباحثة في حكمها هذا على الواقع، حيث قدمت الإدارة الأميركية دعماً للأردن التي تشهد جموداً ديمقراطياً، ولمصر التي تشهدا تراجعا ديمقراطيا، كل واحدة منهما على حدة، أكثر من الذي قدمته لتونس، وذلك في مقابل كل الخطب الجميلة التي يتغزل فيها المسؤولون الأميركيون بالتجربة التونسية.
وتخبرنا الباحثة أن من غير المرجح أن يبذل الرئيس الأميركي المقبل، كان من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، الكثير من الجهد والوقت في الضغط من أجل الديمقراطية في العالم العربي. لذلك، ما على الشعوب العربية سوى التعويل على نفسها مستقبلاً، وكما يقول المثل العربي المأثور "ما حك جلدك مثل ظفرك".

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).