درس من مصر وآخر لها

درس من مصر وآخر لها

24 ابريل 2019
+ الخط -
سباقةً كانت مصر إلى تقديم النموذج، إيجاباً، أو سلباً، في تاريخ العرب المعاصر، إن على مستوى السياسة، أو سواه من مستويات الاجتماع، والأدب، الفن؛ تمتشق سلاحها، وتذهب إلى الحرب مع إسرائيل، فيهرولون وراءها، وتنكص على أعقابها فينكصون. تتقومج (إن صحّ التعبير) فيتقومجون. تتأسلم فيتأسلمون. يصيبها العقم فيعقمون. تكتب فيقرأون. تغنّي فيطربون. تُنَشِز فَينَشزون. تُنتج الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية، فيسهرون مع ممثليها، في حلكة ليل الصعيد، أو على أضواء النيل، ولا ينعسون. تحكي فيستعيرون لسانَها، كلما صادفوا أحد أبنائها، ويتمصرون. صحيحٌ أن بعضهم يعارضها، أحياناً، أو يختلف معها، وربما يعاديها، وتعاديه، في لحظة تصادم الأيديولوجيات أو المصالح، غير أنه لا ينجو، إلا فيما ندر، من تأثير رياحها. ذلك ظل يحدُث، دوماً، ولا يزال، في الخير، كما في الشر، منذ ما قبل حقبة النظام الملكي، مروراً بجمهورية جمال عبد الناصر ، ووريثيه اللاحقين، أنور السادات الذي صالح إسرائيل فمات مقتولاً، وحسني مبارك الذي أمعن في الفساد، فأطاحته ثورة شعبية، ثم محمد مرسي الذي حملته صناديق الاقتراع إلى سدة الحكم، فما لبث سنةً واحدةً حتى انقلب العسكر عليه، بل على التجربة الديمقراطية، ليحل وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي في محله.
ومع صعوبة العودة، في هذه العجالة، إلى تفاصيل كلٍ من تلك الحقب والعهود، وما شهدته من مد وجزر في تأثير مصر على العرب، فإن صعود السيسي إلى منصب الرئاسة يتقدّم اليوم بوصفه الأشد إلحاحاً على التأمل، في مدى تأثيره على الجوار الشقيق، لأن هذا الديكتاتور بات نموذجاً ملهماً لجنرالات الجيوش المنخرطين في لعبة السلطة، بقدر ما صار انقلابه درساً قاسياً لجيل الشباب الثائرين على أنظمة الفساد والاستبداد.
خذ، مثلاً، أهم المحطات وآخرها على مسار الثورة الشعبية المندلعة في السودان، أو الجزائر، لترى كيف أن الثوار، لم يغادروا الشوارع، ويذهبوا إلى الاحتفال، بإطاحة الرئيس عمر البشير، أو باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على غرار ما فعل سابقوهم، في ميدان التحرير، حين تنحّى الرئيس حسني مبارك، ولعل مرد ذلك يعود إلى أنهم صاروا يدركون، وإنْ بعد دفع ثمن مصري وعربي باهظ، أن سقوط رأس الحكم، لا يعني بالضرورة سقوط النظام، وأن أي جنرال يبادر لحماية الثورة هو، على الأرجح، نسخةٌ أخرى من عبد الفتاح السيسي، إلى أن يُثبت العكس، ويقدّم ما يدل فعلاً، لا قولاً فحسب، على أنه يقتدي بالجنرال السوداني عبد الرحمن سوار الذهب الذي أطاح الرئيس جعفر النميري، استجابة لانتفاضة 1986، والتزم وعده تسليم السلطة، بعد عام واحد، لحكومة مدنية منتخبة.
على أي حال، ليست الخشية من غدر الجنرالات إلا بعض الدرس الذي تعلمه السودانيون والجزائريون، والعرب عموماً، من تجربة أشقائهم المصريين، أما بقيته التي لا تقل مدعاةً للاعتبار والحذر، فربما تتلخص في تلاقي مصالح النخب العسكرية الفاسدة وأطماعها بالسلطة والمال، مع خشية قوى إقليمية من انتشار عدوى الثورات، واستعدادها للتدخل، ودفع مليارات الدولارات، كي تجهض حلم التغيير الديمقراطي، بالطريقة ذاتها التي فعلتها عندما دعمت انقلاب السيسي.
نحن نوفر لكم الخبز والوقود، إن تخلّيتم عن أماني الكرامة والحرية، تقول قوى الثورة المضادّة الآن للسودانيين، على وجه الخصوص، وطبعاً من دون أن تكفّ عن التلويح بسلبهم الأمن والاستقرار، إذا لم يرضخوا للابتزاز، وتلك مرحلة خطرة إن نجح السودان، وإلى حد ما الجزائر، على اختلاف ظرفيهما، في اجتيازها، إلى بر الديمقراطية، فسيكون على مصر، هذه المرّة، أن تتعلم الدرس منهما، لتجد طريقها نحو التخلص من نموذج الاستبداد، وقد سدر في غيّه حتى صار يستفتي الشعب على عبثه بالبلاد وشعبها ودستورها ومستقبلها، فيجد من يصوّت له بالرقص أمام مراكز الاقتراع.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني